إيقاد الشعلة يكفي

بقلم: أسامه الفرا

شكلت ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح مناسبة وطنية حرصت الحركة على مدار عقود عدة على الاحتفال بها، وأخذ الاحتفال أشكالاً وأنماطاً مختلفة، لكن يبقى المهرجان الجماهيري الحاشد هو الأكثر سطوة بين المشاهد الأخرى، ولعل السؤال المطروح الآن هو هل على حركة فتح في قطاع غزة الاكتفاء بفعالية ايقاد الشعلة، أم أن عليها أن تمضي في تنظيم مهرجان جماهيري حاشد؟، لا شك أن التفكير المبني على العاطفة يقودنا إلى المهرجان الجماهيري، فيما لو غلبنا لغة العقل على العاطفة لكانت النتيجة مغايرة، الحرص على تنظيم مهرجان جماهيري حاشد في الذكرى السابقة كان له ما يبرره، فحركة فتح كانت بحاجة إلى اظهار مدى الالتفاف الجماهيري حولها، خاصة بعد سنوات من المتغيرات التي عصفت بالمناخ المحلي والاقليمي، وبالتالي ليست الحركة بحاجة اليوم للتأكيد مرة أخرى على ذلك، فالصورة التي نحتتها الجماهير يومها بتفاصيلها المدهشة كافية، ولا شك أن رسالتها وصلت الجميع.

لطالما شكلت المهرجانات المركزية الحاشدة للتنظيمات الفلسطينية المختلفة في ذكرى انطلاقاتها مصدراً لنقد المواطن، خاصة ما يتعلق منها بالنفقات المالية، وإن حاول الجميع أن يخفي الأرقام المالية المتعلقة بها، إلا أن هذه الأرقام كبرت أم صغرت تبقى مدعاة لتساؤل المواطن حول أولوية ذلك في ظل ما يعانيه مجتمعنا من نسبة بطالة مرتفعة وحالة فقر تزداد استفحالاً، رغم أن النفقات المالية التي تسترعي انتباهنا عادة ما تقتصر فقط على النفقات المباشرة، ونغفل الجانب الآخر منها والذي يفوق بكثير النفقات المباشرة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانفاق الفردي الذي يتكفله المواطن للمشاركة في المهرجان.

الأمر الأخر ما يرافق المهرجانات المركزية من رفع منسوب الاحتكاك بين مكونات المجتمع الفلسطيني، ولا يقتصر ذلك على الحوادث المرافقة لها، بل وهذا هو الأهم التصادم الفكري وتكريس حالة الاستقطاب التي يتقدم من خلالها التنظيم على الوطن، ومما لا شك فيه أن المناخ الحالي هو الأكثر ملائمة للاستغلال من قبل أصحاب المصلحة في الابقاء على الانقسام والانطواء على التنظيم ومكتسباته.

ماذا لو قررت حركة فتح أن تجعل من ذكرى انطلاقتها نموذجا مغايراً للمتعارف عليه؟، وحشدت طاقة أبنائها في ذكرى انطلاقتها بعمل نكرس من خلاله الانصهار مع المجتمع، بعمل يلمسه المواطن ويعود بالنفع عليه وعلى الوطن، لعلنا جميعاً بحاجة إلى المحافظة على أجواء المنافسة فيما بين قوانا السياسية، لكن هذه المنافسة يجب أن تخرج من صورة الحشد الجماهيري التي نلهث خلفها إلى دائرة العمل على خدمة مواطنينا، إن كانت المهرجانات الخطابية في السابق كان لها ما لغيرها من أهمية بالغة في الاستنهاض والتعبئة، فلم تعد لها هذا الدور بالمطلق في ظل التطور الكبير الذي وصلت إليه تقنية الاتصالات.

لعل الاكتفاء باحتفال ايقاد الشعلة في قطاع غزة، والعمل على التضامن مع أسر الشهداء والأسرى ومع أهلنا في مخيم اليرموك، له من الأثر الايجابي ما يفوق المهرجان، إن جماهيرية حركة فتح لم تولد من رحم المهرجان بل من رحم العطاء والتميز.