بعدما قام بشراء حاجاته من السوق ،ذهب ليركب سيارة من سيارات الأجرة والتي عادة ما تتراص بصورة فوضوية ..عشوائية كما هي أحوالنا السياسية في بلاد العُرب أوطاني ،المهم انه تفاجأ بفراغ المكان الخاوي من تلك السيارات التي رحلت جميعا ،كما رحلت الشهامة والمروءة والرجولة فانقرضت في حنايا عالمنا العربي المعاصر لكل النكسات ،والاضطرابات ..تطلع في الساعة التي تلتف حول معصم يده بكل تمرد ،كما تلتف أحبال المشانق حول رقاب الأبرياء ،والذين يقتاتون الثرى جوعا وعطشا ..فإذا بعقارب الساعة تشير بعقاربها وثعابينها وحيتانها إلى اقتراب وقت.. صلاة الجُمُعة ..وعلى عجالة نسي أناقته ،ومظهره المرموق فأشار بيده لكاره " عربة"صغيرة ،يجرها حمار مرت على مقربة منه..ومما لفت نظره هو أن الحمار كان يتبختر في مشيته بكل زهو، ودلال ،ولما ركب الكاره أحس بمتعة فائقة هكذا الإنسان دائما وأبدا ..مهما حلق بعلمه،وتقنيته في أجواء الفضاء الخارجي إلا انه يجرجره الحنين ،والاشتياق إلى الجذور ..جذور الأرض مهما حاول الابتعاد عنها ،ولا دخل للجاذبية في ذلك ،وإنما تلك هي الفطرة ،والحقيقة الجلية التي لا يلمحها سوى من لديهم قلوب شفافة ..بيضاء بياض الجليد في أقطاب الأرض ..!!
ولما رمق بعينيه العميقتين ،عينا الحمار التي تشع شماتة ،وسخرية ،أصابته رهبة شديدة فأن يسمع وحدة ،رغم تواجد آخرين من الركاب الذين من ضيق المكان يلتصقون به على ظهر العربة فهذا أمرٌ غريب .. إلا انه سمع قول الحمار الذي كان يهزأ بنظراته الزائغة من كل التطويرات النقلية سواء أكانت جوا.. أوبرا ..أوبحرا ..ذاك الحمار والذي قال بازدراء شديد : عجبا لبني البشر مهما ارتقوا، ومهما تصوروا العلياء بفكرهم،وأمجادهم .. إلا أنهم مهما تقدموا ..حتما يرجعون إلى الوراء فيرفعوا أثمان أشياء كانت لاتساوي سوى دراهم قليلة بخسة ،ثم استطرد الحمار بقوله : هنيئا لكم يارفاقي يامن تجرون العربات.. اليوم فقط وفي هذي الأيام ستنعمون بخير الشعير الوافر بعدما انقضت سنوات طوال عجاف ..فأسواق السيارات في وسط قطاع غزة إذا استمرت أزمة الوقود المفتعلة لأشهر قليلة ستجتاحها أسواق الحمير ..!!