الحصار المفروض على قطاع غزة ليس عيباً، ولا يخجل الحكومة الفلسطينية من قريب أو بعيد، ولا يلقي عليها بالمسئولية عن اختفاء مواد البناء، ولا النقص بالوقود، ولا انقطاع الكهرباء، ولا يعيب الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة إغلاق المعابر والتضييق على سفر المواطنين، وعدم توفر فرصة عمل، لأن الحصار المفروض على غزة شهادة عز تفصح أن في هذه البقعة من الأرض رجال مقاومة، يستهدفون وجود إسرائيل فستهدف بقاءهم على الأرض، وهو شهادة وفاء للأرض، ووثيقة يوقعها العدو الصهيوني بجهاز الحاسوب الذي يقيس عدد نبضات السكان، ويحسب بدقة كمية الوقود اللازم لاستخراج مياه الشرب.
الحصار المفروض على قطاع غزة يلقي على كاهل الحكومة المسئولية في فضح الحصار، وربطه بالسياسة، ومن ثم إظهار آثاره السلبية على حياة الناس، والخطأ أن تعتمد الحكومة سياسة تكميم الصرخات في وجه الوجع، فمن فجعته مصيبة سيفغر فاه، ويصرخ بأعلى صوته، وهذا ما يجب أن يكون عليه حال الناس عند معبر رفح، الذي يبدو هادئاً هانئاً بفعل سياسة الحكومة، التي تحول دون تجمع عشرات ألاف الراغبين بالسفر على المعبر، وتحاول أن تنظم وصولهم إلى هنالك من خلال القوائم، هذا الشكل المنظم في التعامل مع المعبر لا يعكس حقيقة المعاناة من إغلاق المعابر، ولا يكشف عن مأساة أولئك الممنوعين من السفر، ويخفي عن العالم صورة ألاف الأبرياء الراغبين بالسفر، الذين ينتظرون دورهم وهم في بيوتهم.
على الحكومة الفلسطينية أن تترك جماهير الشعب تتزاحم على محطات الغاز في غزة كما كانت في السابق، فمنظر المصطفين في انتظار اسطوانة الغاز لا يعيب الحكومة، وإنما يعيب الأعداء المحاصرين لغزة، وعلى الحكومة أن تترك الناس تزحف باسطوانات الغاز على المحطات، ولتجعل من هذا المنظر وسيلة إعلام سلبية في حق العدو.
إن منظر عشرات السيارات التي تتزاحم في الطابور أمام محطات الوقود لا يسيء لسمعة الحكومة، وإنما هي شهادة عملية على أن غزة في حصار، طالما يسكنها أولئك الرجال الذين يتمسكون بالمقاومة، ويرفضون المساومة.
كما أنصح الحكومة الفلسطينية بأن تفتح للمهربين باب الاجتهاد في تأمين وصول مواد البناء والوقود والغاز ومواد الطعام والأدوية، وأن تغض طرفها عن الأرباح التي قد يحققها المهربون، طالما أنهم سيغطون حاجات الناس، ولا يعملون في الممنوع، ولا يهربون ما يسيء للمجتمع، وما يمس بأمن المواطن.
وأخيراً، لقد قدم رئيس الوزراء إسماعيل هنية جملة من المبادرات الإيجابية التي تعكس الإحساس الوطني على أهمية وحدة الصف، ولا شك أن هذه المبادرات الطيبة تنتظر المقابل، وكما قال المثل: فإن يداً واحدة لا تصفق.