حكايات ......برسم الفهم...!!!

بقلم: طلعت الصفدي

الحكاية الأولى :

نيلسون مانديلا القائد الأممي الاسطوري في مواجهة التمييز العنصري ( الابرتهايد ) والظلم والاستبداد الاجتماعي ،اعتقلته حكومة بريتوريا العنصرية عام 1962 ،وأمضى 27 عاما في الاعتقال والزنازين الانفرادية ،لكنه لم يتراجع وانتصر أخيرا. أثناء فترة اعتقاله هبت القوى الديمقراطية والتقدمية والشيوعية ،وكل انصار السلام والتقدم في العالم للدفاع عنه ،والضغط من أجل الافراج عنه ،ورغم بطش الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة ،سارعت القوى الديمقراطية وعلى رأسهم الشيوعيين الفلسطينيين للتضامن معه ،والبدء بجمع التواقيع لنصرته. في مدرسة ذكور صلاح الدين الاعدادية للاجئين بادر المعلمون بالتوقيع التضامني ونصرة نيلسون مانديلا ،الاسلاميون رفضوا التوقيع تحت حجة ان نيلسون مانديلا شيوعي ،تردد بعض المعلمين متسائلا هل توقيعي سيفرج عن نيلسون مانديلا من المعتقل ؟ نجحنا في اقناع أحد المعلمين المترددين بالتوقيع على الوثيقة ،وعندما تم الافراج عن مانديلا عام 1995 انشرحت اساريره ،واعتز بنفسه وقال بأعلى صوته في المدرسة لقد كان لتوقيعي دور في الافراج عن المناضل الكبير نيلسون مانديلا ،الآن عرفت قيمة مشاركتي وأهمية توقيعي ،اليوم أحس بقيمتي كانسان ،ولن اتردد في المشاركة في أية فعالية كفاحية ،والدفاع عن المناضلين الثوريين في كل مكان في العالم .

 

الحكاية الثانية :

تعددت ورش العمل واللقاءات الحوارية والتشاورية التي تعقدها المنظمات غير الحكومية في غزة ،تتناول العديد من القضايا المجتمعية كالديمقراطية ،والعنف ،والجندر ،وحقوق المرآة والقانون ... الخ هذه الورش تجذب اعدادا كبيرة من الشباب والصبايا الذين يشكلون خلية رصد ومتابعة لمعرفة مواعيد ورش العمل ،وبرامج تلك المنظمات غير الحكومية ،وسرعان ما يتنبه لها الشباب والصبايا ،وتشكلت لديهم حاسة شم قوية ونافذة ،خصوصا اذا كانت برامج ورش العمل تلك تنتهي بوجبة باردة او ساخنة ،وبالأخص اذا احتوت على بوفيه مفتوح ... ولتفاعل بعض المنظمات غير الحكومية مع جمهور الحاضرين توزع في نهاية ورشة العمل استبيانا عليهم ،تطلب منهم تقييم الورشة ومدى الاستفادة منها فكرا وممارسة ،وبعد دراسة الاراء ،كانت النتيجة مزعجة للقائمين عليها ،فأكثر من 95% من تلك المستطلعة أرائهم كانت توحي بأن اجمل ما احتوته تلك الورش ليست الافكار والمفاهيم التي تتكرر في ورش العمل الاخرى ،بل ما احتوته من طعام وشراب !!!

 

الحكاية الثالثة :

نقاش حاد ،احتدم بين محاضر في احدى الجامعات الفلسطينية في غزة وبين طالباته ،حول أيهما له حق الأولوية في الدفاع عنه الأرض ام العرض ؟؟ تراوحت اجابة الطالبات بأن العرض اولا وثانيا الأرض ،حاول المحاضر إقناعهم بأن الأرض هي التي تحمي العرض ،وان الدفاع عن الأرض يكتسب الأهمية الاولى على كل شيء ،ولاحظ المحاضر ان الطالبات يقتصر فهمهم على العرض بقضية الشرف ،دون أن يلاحظوا أهمية الوطن والأرض والشعب والتاريخ والهوية والتراث والحضارة !!! شعبنا الفلسطيني منذ عام 1948 سرقت أرضه ،ومع اغتصابها انتهكت أعراضه أثناء الرحيل والهجرة القسرية ،وحتى في مخيمات اللجوء في البلدان العربية لم يسلموا من ويلاتها وخير مثال ما يجري في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا هو انتهاك فظ لاعراضنا نحن الفلسطينيون ،لقد وضح في النقاش خطورة المفاهيم القبلية والعشائرية للشرف ،فرحيل العديد من أهلنا وترك أرضهم ،تحت حجة الحفاظ على الشرف العائلي ،وخوفا من انتهاك عرض بناتهم وزوجاتهم من العصابات الصهيونية التي روج لها البعض دون وعي ،ان سهلت تلك المفاهيم للعصابات الصهيونية باحتلال الارض التي تركها أصحابها ،فالثورات الاجتماعية القومية والطبقية تؤكد أن الدفاع عن الأرض له حق الأولوية في النضال ،فالأرض تحمي أعراض المواطنين وتصون حياتهم وحقوقهم.

 

الحكاية الرابعة:

على اثر ارهاب الاحتلال الاسرائيلي ضد تجار قطاع غزة ،أعلنت لجنة التجار التابعة للقيادة الوطنية الموحدة ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في الانتفاضة الكبرى عام 1987 ،اضرابا تجاريا احتجاجيا على فرض ضرائب باهظة عليهم ،وعلى سياسة تكسير العظام التي انتهجها وزير الحرب رابين ،وجراء تصاعد العنف وممارسات جنود الاحتلال ضد المواطنين .التزم التجار جميعهم بالإضراب التجاري ،مما استفز الحاكم العسكري الاسرائيلي لقطاع غزة ،فأمر بتوجه مجنزراته وسياراته المصفحة الى شارع عمر المختار ،الشارع الرئيس للتجار لتأديبهم وإيقاع أكبر الخسائر بهم ،وبخلع الابواب الحديدية للمحلات التجارية ،وفورا تحركت مجنزرات هولاكو المتحضر وصبت غضبها وحممها الارهابية على ابواب المحلات ،وبدأت بخلعها تحت وابل من الحجارة والمواجهات وصدامات الاهالي مع جنود الاحتلال . ولما انتهت مهمة الاحتلال الاجرامية العنصرية انسحبت بسرعة . شكل المواطنون درعا لحماية المحلات التجارية بلا ابواب تحميها وحراسة على محتوياتها . سارعت اللجان الشعبية ،ولجان حماية الانتفاضة ،وفي المقدمة الحدادون الذين سارعوا بتشكيل فرق عمل من أجل اعادة الابواب الى وضعها الطبيعي قبل حلول منع التجول الذي فرضه الاحتلال ،ونشطوا ،وأعادوا الابواب الحديدية الى وضعها كأن شيئا لم يكن ،دون علم ومعرفة أصحاب تلك المحلات .

 

الحكاية الخامسة:

كشفت عاصفة اليكسا التي اجتاحت قطاع غزة في نهاية ديسمبر عام 2013 ،مدى الاستهتار بأرواح الناس ،وغياب الادارة العلمية والتقنية لمواجهة الكوارث الطبيعية ،وتراجع قيم النخوة والعونة والعمل التطوعي التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ،الزاخر بها تاريخ شعبنا وحضارته ،ولتحل مفاهيم السوق ،وانتشار ظاهرة الأخذ دون العطاء . لقد كشفت عاصفة اليكسا مدى تدني التعامل مع نتائجها من اللحظة الاولى ،وكان يمكن حل المأساة التي ألمت وحاصرت المتضررين بطريقة انسانية دون تحويل المتضررين الى متسولين ،لو اننا تمسكنا بقيم العمل التطوعي والنجدة وبقيمتهما الانسانية والحضارية ،وعززناها في كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية ،لو تعلمنا من تجارب اهلنا من الفلاحين والمزارعين والمتطوعين في الضفة الغربية الذين يسرعون لنجدة بعضهم جراء الكوارث الطبيعية او في لحظات المصائب ،فالعونة والنجدة قيم حضارية فلسطينية نعتز بها ،تساهم في مساعدة المزارعين في قطف ثمار الزيتون في الاغوار والجبال ،حتى لا تتعرض لنهب المستوطنين وسفالتهم ،هذه القيم تعثرت وتراجعت في قطاع غزة ،فكيف نعيد الاعتبار لها ؟؟...