دولة فلسطينية بلا ارض وماء وهواء

بقلم: غازي السعدي

استقبلت إسرائيل وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" في زيارته العاشرة، في محاولة للتجسير بين إسرائيل والفلسطينيين لتحقيق السلام، بقرار استفزازي اتخذه المجلس الوزاري لشؤون التشريع، بضم أراضي ومستوطنات الأغوار الفلسطينية إلى السيادة الإسرائيلية، هذه الأراضي تمتد على نحو (29)كيلومتراً على طول نهر الأردن، وتبلغ مساحتها نحو (800) ألف دونم، يشكل (28.5) من مساحة الضفة الغربية، وكما قال الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بأن الفلسطينيين هم الذين بحاجة للأمن والحماية، وليس ذرائع إسرائيل الأمنية، فهي دولة نووية، ومدججة بجميع أنواع الأسلحة المتطورة، وتفتخر بأن جيشها الجرار يضاهي جيوش الدول العربية مجتمعة، إلا أن "نتنياهو" أجل الإعلان عن إقامة (1400) وحدة استيطانية جديدة إلى ما بعد مغادرة "كيري"البلاد، فنهب الأراضي الفلسطينية يأتي تحت مزاعم إستراتيجية لحماية الأمن، والحقيقة أن إسرائيل تحاول تجسيد حلم الحركة الصهيونية، بأن أرض فلسطين الكاملة هي ملك للشعب اليهودي بلا منازع، ويأخذون من كتاب "التوراة" المحرفة تبريراً لهذا التوسع، للقضاء على الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، فإسرائيل لم تكتف بقرار التقسيم لإقامة دولتها على (57%) من مساحة فلسطين التاريخية، فقد احتلت عام 1948 (77%) منها، أي أكثر بـ (10%) من قرار التقسيم، وتبقى (23%) فقط من الأرض لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، تأتي اليوم لتقاسم ما تبقى للفلسطينيين من الأرض، والهدف الإسرائيلي واضح ألا وهو منع إقامة دولة فلسطينية.

لم يشهد التاريخ قيام دولة احتلال شبه منبوذة دولياً، تفتح جبهات متعددة عليها كما هي الحالة الإسرائيلية، التي زرعت الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، وتعمل على ضم القدس الشرقية التي تشكل مساحتها (11%) من مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وضم الأراضي الواقعة خلف جدار الفصل العنصري التي تشكل (28%) من مساحة الضفة الغربية، وضم الكتل الاستيطانية الكبيرة التي استوطنها نحو (250) ألف إسرائيلي، والاعتداء على المقدسات والهدف المسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم عليه، مع أن كبار علماء الآثار الإسرائيليين نفوا وجود الهيكل في منطقة الأقصى، ويعتدون على عقارات ومزارع الفلسطينيين ويحرقونها، ويقلعون أشجار الزيتون والأشجار الأخرى، ويعتدون على المواطنين العزل، على ممتلكاتهم ومساجدهم وبيوتهم، ويرفضون العودة إلى حدود عام 1967، ويرفضون حق عودة اللاجئين والقائمة طويلة، حتى وصل الأمر إلى السلة الغذائية للفلسطينيين بضمهم للأغوار، وإقامة جدار فاصل مع الأردن لإبقاء المعابر تحت سيطرتهم، وكل ذلك بتبريرات أمنية، فماذا تبقى للفلسطينيين من الأرض لإقامة دولتهم عليها، إلا إذا كانت هذه الدولة التي سيعلن عن إقامتها لا تملك الأرض ولا الفضاء ولا الهواء، فإن ما يجري في الضفة الغربية هو صورة طبق الأصل، ونسخه لما قاموا به عند تهوديهم لفلسطين المحتلة منذ عام 1948، حين صادروا أراضي الفلسطينيين، وحتى معظم الفلسطينيين المتبقين والذين كان عددهم نحو (160) ألف مواطن، اعتبروا مواطنين إسرائيليين من خلال تشريعاتهم للقوانين الاحتلالية، وحالياً جاء الدور على أراضي عرب النقب حيث يجري هدم منازلهم، ومصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضيهم، وبعد كل ذلك يدعون الديمقراطية وان دولتهم دولة القانون.

على من يضحكون ويسوقون أكاذيبهم، فـ "نتنياهو" لدى استقباله "كيري" 2-1-2014 قال له:"إن هناك قلقاً في إسرائيل من عدم التزام الفلسطينيين بالسلام (نكته)" بينما نقلت جريدة "يديعوت 26-12-2013"، عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله أن "نتنياهو" يقود إسرائيل إلى عزلة دولية، ومقاطعة اقتصادية، وأنه غير مستعد للتقدم خطوة واحدة في المفاوضات- التي خاضت (20) جلسة - وأنه لا يريد اتفاقاً مع السلطة الفلسطينية، وإنما يريد الحفاظ على الوضع والجمود السياسي الراهن، وأن إسرائيل ترفض مشروع الإطار الذي تقترحه الولايات المتحدة، كذلك تتجاهل التحذيرات الأوروبية و"نتنياهو" يكابر ويقول:"لا اتفاق ولا بطيخ"، وأنه ليس ملحاً التوصل لاتفاق حالياً، فإسرائيل ستعمل على تفجير المفاوضات تحت ذرائع أمنية، أو على خلفية الموقف الفلسطيني الذي يرفض الاعتراف بيهودية الدولة، وأن الانسحاب مما يطلقون عليه أراضي يهودا والسامرة ليس وارداً.

في المؤتمر الذي جرى في مركز "هرتسليا" متعدد المجالات، مؤخراً بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، خرج المؤتمر بنتيجة أنه لا وجود لأي إمكانية للتوصل لاتفاق كامل لإنهاء الصراع، وأن الاحتمال الوحيد لمنع فشل المفاوضات، التوصل إلى اتفاقية مرحلية أو جزئية، مع أن اتفاق "اوسلو" هو اتفاق مرحلي، ولا معنى لاتفاق مرحلي آخر، طالما أن إسرائيل لم تلتزم بالمرحلي الأول، مع أن لا احد سواء إسرائيل او الفلسطينيين قرروا رسمياً إلغاء اتفاق "أوسلو".

هناك أصوات محدودة وقليلة في إسرائيل تتصف بالاعتدال ترد على الكذب والخداع، فجريدة "هآرتس 29-12-2013" هاجمت في افتتاحيتها الأقوال التي أدلى بها وزير الجيش "موشيه يعالون" أمام اجتماع الاقتصاديين الإسرائيليين بقوله:" لا تتعبوا أنفسكم، فليس هناك شريك فلسطيني لنا للسلام،لان السلطة الفلسطينية تقوم بالتحريض ضد إسرائيل"، أما "هآرتس" -في ردها-فاتهمت "يعالون" واليمين الإسرائيلي بأنهم هم الذين يقومون بالتحريض ضد الفلسطينيين وسلطتهم، وهم الذين لم يرفعوا يداً على المسؤولين عن أعمال "دفع الثمن" العدوانية، وهم الذين يعملون على الاستمرار بسياسة الاستيطان، وببناء (1400) وحدة استيطانية جديدة، وتضيف الصحيفة أن الشريك الفلسطيني بنظر هؤلاء هو فقط من يوافق على استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأغوار، واستمرار البناء الاستيطاني، وهو من يدعو الأوروبيين إلى عدم مقاطعة المصانع الإسرائيلية في المستوطنات، وهو من على استعداد للاعتراف بيهودية الدولة، رغم أن أكثر من 20% من مواطني إسرائيل هم من العرب، وتضيف الجريدة:" لن نجد شريكاً من هذا الطراز، لا في أوساط الفلسطينيين ولا في أقرب أصدقاء إسرائيل في العالم"-"انتهى النص"- فجريدة "هآرتس"هي جريدة مستقلة، معتدلة.. متزنة، وموضوعية، فقد كتبت أيضاً بتاريخ "23-12-2013" أنه لم تعد هناك أهمية أمنية لضم غور الأردن لإسرائيل، فقد زالت التهديدات على إسرائيل بإزالة الجبهة الشرقية، ولم يعد هناك خطر مهاجمة جيوش عربية في مواجهة إسرائيل عبر الأراضي الأردنية، لتصل "هآرتس" لقناعة بعدم وجود أهمية أمنية لغور الأردن، باعتباره حاجزاً لحرب برية محتملة من الشرق، في عصر الصواريخ البالستية والقذائف الصاروخية، فلم تعد أية أهمية، وأية فائدة من وجود الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، ليأتي "نتنياهو" ليكرر اشتراطاته ويضيف شرطاً آخر:" سوف أوقع على تسوية دائمة مع الفلسطينيين، إذا اشتملت على بقاء إسرائيل في الأغوار".

إن نفي وجود شريك فلسطيني -حسب "هآرتس" -هو كذبة لخداع الجمهور الإسرائيلي، بأن أيدي الحكومة الإسرائيلية نظيفة، مستغربة الصحيفة مواقف ساسة إسرائيليين، الذين يرددون مقولة ليس هناك شريك فلسطيني، وأن الشريك غير الموجود فعلاً هو الشريك الإسرائيلي.

وخلاصة القول، ومع قناعتنا بأن إسرائيل والسلام نقيضان، وأن طريق المفاوضات مغلق قبل أن تبدأ المفاوضات، فماذا لو انسحب الجانب الفلسطيني من هذه المفاوضات؟ وماذا إذا رفض الفلسطينيون تمديد فترة المفاوضات، إلى ما بعد الأشهر التسعة؟ فإسرائيل سيسعدها مثل هذا الانسحاب، وهي تعمل كل ما في جهدها لانسحاب الفلسطينيين من هذه المفاوضات الهزيلة، لتُحمل الفلسطينيين المسؤولية، ومع أن القيادة الفلسطينية أعلنت أكثر من مرة، بأن لديها خيارات كثيرة، دون اللجوء إلى هذه الخيارات ولا مرة، فإن د. "صائب عريقات"، الذي يحمل لقب كبير المفاوضين، والذن أعلن عن استقالته أكثر من مرة دون أن يستقيل، هدد مؤخراً بالتوجه إلى المحكمة الدولية في حال الإعلان عن البناء الاستيطاني الجديد بإقامة (1400) وحدة سكنية، فهل ستلجأ السلطة إلى هذا الخيار، مع أنها ذهبت إلى هذه المفاوضات دون التزام إسرائيل بوقف البناء الاستيطاني، ويبقى النهج الإسرائيلي الاستمرار بالاستيطان والمخادعة وإضاعة الوقت.