العنصرية: اصطلاحا، تاريخيا وقانونيا

بقلم: حنا عيسى

العنصرية في الإصطلاح: الاعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزيها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما، وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف سياسياً، قانونياً، اجتماعياً ... باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية، مثلما فعل الحزب النازي في ألمانيا حيث إبتدع فكرة سمو العِرق الآري على باقي الأعراق والأجناس البشرية ...

لذلك فالعنصرية هي تعصب فرد أو فئة من الناس لجنس أو عرق أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو طائفة أو معتقد أو حتى لون بشرة مما ينجم عنه ازدراء او اضطهاد او قتل الفئات الاخرى بدون وجه حق أو سبب واضح سوى انها تختلف عنه في جنسها أو عرقها أو طائفتها أو لون بشرتها.

 العنصرية تاريخياً:

سادت العنصرية في أمريكا بعد الحرب الاهليه الأمريكيه في اواخر القرن التاسع عشر، فظهرت قوانين عنصريه تدعم سيطرة البيض على الزنوج في مجالات الإسكان والتعليم والوظائف ووسائل النقل والأماكن الترفيهية ...

اما في جنوب افريقيا، فظهر أول استعمال لكلمة "أبارتهايد" في عام 1917 خلال خطاب ألقاه جان كريستيان سماتس، الذي أصبح لاحقا رئيس وزراء جنوب أفريقيا عام 1919. وجاءت الكلمة "أبارتهايد" من لغة "الأفريكان" ( لغة المستوطنين البيض ذوي الأصول الهولندية) ومعناها "الفصل" لتجسد نظام الفصل العنصري بين المستوطنين البيض والسكان السود أصحاب الأرض الأصليين، وتفضيل الإنسان الأبيض على الإنسان الأسود في جميع المجالات.

وبدأ نظام الأبرتهايد كسياسة رسمية ومعلنة عام 1948 مع وصول "الحزب الوطني" اليميني الأفريكاني الأبيض إلى الحكم، والذي كان من بين أهدافه استمرار حكم العرق الأبيض في جنوب أفريقيا. وفي سنة 1950 صدر قانون بتخصيص أماكن للسود وإجبارهم على وضع حواجز حول المناطق التي يعيشون فيها.

العنصرية في القانون الدولي:

الامم المتحدة شجبت وكافحت العنصرية، حيث تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) على أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر".

وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965، تم اعتماد "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"

حيث عرفّت المادة 1 منها "التمييز العنصري": أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

وحسب المادتين 2 و 3 من تلك الاتفاقية تعهدت كل دولة طرف بعدم إتيان أي عمل أو ممارسة من أعمال أو ممارسات التمييز العنصري ضد الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، وبضمان تصرف جميع السلطات العامة والمؤسسات العامة، القومية والمحلية، طبقا لهذا الالتزام، كما تعهدت بمنع وحظر واستئصال العزل العنصري والفصل العنصري في الأقاليم الخاضعة لولايتها. اما المادة 4 فإعتبرت كل نشر للأفكار القائمة علي التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون. في حين عددت المادة 5

الحقوق الواجب توفيرها لكل إنسان دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، ومنها: المساواة أمام القانون، الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، الحق في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة، الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده، الحق في الجنسية، حق التزوج واختيار الزوج، حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين، حق الإرث، الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين، الحق في حرية الرأي والتعبير، الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها، الحق في العمل والحماية من البطالة، الحق في السكن، حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية، الحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص لانتفاع سواد الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.

أما الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها التي أُعتمدت وعرضت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العامة  للأمم المتحدة 3068 (د-28) المؤرخ في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1973، فقد إعتبرت المادة 1 أن الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية، وأن الأفعال اللاإنسانية الناجمة عن سياسات وممارسات الفصل العنصري وما يماثلها من سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين، والمعرفة في المادة الثانية من الاتفاقية، هي جرائم تنتهك مبادئ القانون الدولي، ولا سيما مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين. وبيّنت المادة 2 ان "جريمة الفصل العنصري"، تشمل سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي تمارس في الجنوب الأفريقي، وتشمل الأفعال اللاإنسانية الآتية، المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما من البشر علي أية فئة عنصرية أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية:

(أ) حرمان عضو أو أعضاء في فئة أو فئات عنصرية من الحق في الحياة والحرية الشخصية:

"1" بقتل أعضاء من فئة أو فئات عنصرية،

"2" بإلحاق أذى خطير، بدني أو عقلي، بأعضاء في فئة أو فئات عنصرية، أو بالتعدي علي حريتهم أو كرامتهم، أو بإخضاعهم للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة،

"3" بتوقيف أعضاء فئة أو فئات عنصرية تعسفا وسجنهم بصورة لا قانونية،

(ب) إخضاع فئة أو فئات عنصرية، عمدا، لظروف معيشية يقصد منها أن تفضي بها إلى الهلاك الجسدي، كليا أو جزئيا،

(ج) اتخاذ أية تدابير، تشريعية وغير تشريعية، يقصد بها منع فئة أو فئات عنصرية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، وتعمد خلق ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة أو الفئات، وخاصة بحرمان أعضاء فئة أو فئات عنصرية من حريات الإنسان وحقوقه الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل، والحق في تشكيل نقابات معترف بها، والحق في التعليم، والحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والإقامة، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية الاجتماع وتشكيل الجمعيات سلميا،

(د) اتخاذ أية تدابير، بما فيها التدابير التشريعية، تهدف إلى تقسيم السكان وفق معايير عنصرية بخلق محتجزات ومعازل مفصولة لأعضاء فئة أو فئات عنصرية، وبحظر التزاوج فيما بين الأشخاص المنتسبين إلي فئات عنصرية مختلفة، ونزع ملكية العقارات المملوكة لفئة أو فئات عنصرية أو لأفراد منها،

(هـ) استغلال عمل أعضاء فئة أو فئات عنصرية، لا سيما بإخضاعهم للعمل القسري،

(و) اضطهاد المنظمات والأشخاص، بحرمانهم من الحقوق والحريات الأساسية، لمعارضتهم للفصل العنصري.

وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1981، أصدرت الجمعية العامة الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، معلنة أنها تضع في اعتبارها انه من الضروري تعزيز التفاهم والتسامح والاحترام في المسائل المتعلقة بحرية الدين أو المعتقد، وأنها قد حزمت أمرها على اتخاذ جميع التدابير الضرورية للقضاء سريعاً على مثل هذا التعصب بكل أشكاله ومظاهره، ولمنع ومكافحة التمييز على أساس الدين أو المعتقد. وعرّفت المادة 2 "التعصب والتمييز القائمان على أساس الدين أو المعتقد" بـ أي تفريق أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الدين أو المعتقد ويكون غرضه أو أثره إلغاء أو إضعاف الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على أساس من المساواة.

في حين ان المادة 6 من هذا الإعلان وضّحت ان الحق في حرية التفكير أو الضمير أو الدين أو المعتقد، يشمل فيما يشمل: العبادة أو الاجتماع في إطار دين أو معتقد، وإقامة وصيانة أماكن لهذه الأغراض ... حرية تعليم الدين أو المعتقد في أماكن مناسبة لهذه الأغراض...

وقد أدانت الأمم المتحدة سياسة الفصل العنصري بطرق أخرى. حيث أدانت الجمعية العامة وبشكل سنوي في الفترة الواقعة ما بين 1952- 1990 سياسة الفصل العنصري، على اعتبار انه يتعارض مع المادتين 55 و56 من ميثاق الأمم المتحدة. وترتب على ذلك أن بدأ مجلس الأمن الدولي بإدانة الفصل العنصري على نحو منظم بعد عام 1960.

أما ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي دخل حيز النفاذ في 1 تموز 2002، فقد صنّف جريمة الفصل العنصري كشكل محدد من أشكال الجرائم ضد الإنسانية. واليوم هناك 119 دولة مصادقة على نظام روما الأساسي. ومن الجدير بالذكر أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة لم تنضما الى هذا النظام. تُصنف المادة 7 (1) من نظام روما الأساسي الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية، وبناءً عليه فإن المادة 7 (2) تحدده كما يلي:

1- لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم:

ي - جريمة الفصل العنصري

2- (ح) تعنى "جريمة الفصل العنصري" أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة 1 وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام؛

ويتضح من هذا التعريف أن الفصل العنصري بموجب نظام روما الأساسي لا يقتصر على أعمال (تصرفات) حكومة جنوب إفريقيا، ولكنه ينطبق على أي سلوك ينطبق عليه تعريف المادة 7 (2) (ح). وبشكل عام، تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ممارسة سلطتها القضائية عندما يكون المتهم من رعايا الدول الأعضاء أو في حال أن الجريمة المزعومة تكون قد حدثت في الدول الأعضاء، أو إحالة الوضع إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي. حيث تم وصف دور السلطة القضائية للمحكمة كدور مكمل. ولا يمكن للمحكمة أن تمارس سلطتها القضائية إلا عندما تكون المحاكم الوطنية غير راغبة أو غير قادرة على إجراء المحاكمة.