صندوق الدولة الصديقة

بقلم: أسامه الفرا

عندما رفعت زوجة رئيس البنك المركزي الهولندي علم فلسطين على شرفة منزلها في العاصمة الهولندية "أمستردام" قبل عقد من الزمان، تضامناً مع الشعب الفلسطيني واحتجاجاً على ما ترتكبه اسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، أثار الفعل غضب حكومة الاحتلال وسارعت المنظمات الصهيونية بتوجيه سيل الاتهامات لها وفي مقدمتها معاداة السامية، ووصلت الى أسرتها العديد من رسائل التهديد بالقتل، لم تكن موجة الغضب هذه بفعل ما أقدمت عليه زوجة مسؤول أوروبي تبدي دعمها العلني لشعب فلسطين، بل لأن الفعل جاء في دولة هي الأقرب لاسرائيل من بين الدول الأوروبية، وهي الصديق الحميم لها، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة التي واصلت تقديم الأسلحة لدولة الاحتلال وفتحت مطاراتها أمام الطائرات الاميركية وهي تنقل مساعداتها العسكرية لاسرائيل ابان حرب أكتوبر 1973، متحدية بذلك قرار الدول العربية المتعلق بحظر تصدير النفط للدول التي تقف بجانب اسرائيل.

الهولنديون يرون في دعم اسرائيل شيئاً من التقرب الى الله من خلال التكفير عن ذنب قتل اليهود ابان الحرب العالمية الثانية، لكن هذه الثقافة أخذت بالتراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، والجيل الشاب على وجه التحديد تحرر منها، وهنا يكمن التغيير الذي بات يشق طريقه في موقف الهولنديين من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، باختصار هولندا تغيرت، هذا ما قاله صديقي الهولندي ونحن نغادر مكتب رئيس بلدية لاهاي، كان رئيس البلدية منع منظمات صهيونية من وضع حافلة محترقة أمام محكمة العدل الدولية أثناء النظر في قضية جدار الفصل العنصري، الحافلة التي القيت عليها زجاجة حارقة في طريقها الى اريحا خلال الانتفاضة الأولى.

قرار صندوق التقاعد الهولندي مؤخراً بمقاطعة خمسة بنوك اسرائيلية لوجود فروع لها في المستوطنات مؤشر هام، ليس على اعتبار أن الصندوق هو الأكبر في هولندا، ولا لأن البنوك الاسرائيلية التي تم مقاطعتها من قبل الصندوق هي الأكبر والأهم في اسرائيل، بل في أهمية ما أوضحه الصندوق بأن خطوته تلك تأتي تطبيقاً للقانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات غير قانونية، وهو ما أكدت عليه محكمة الجنايات الدولية في لاهاي عام 2004، هذا من جانب ومن جانب آخر أنه يأتي من مؤسسة هامة في دولة كانت على مدار عقود عدة هي الصديق الحميم لاسرائيل.

مؤكد أن قرار صندوق التقاعد الهولندي لا يشكل من الناحية المالية الشيء الكثير، خاصة وأن حجم استثماراته في البنوك الاسرائيلية لا تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، ولكن أهمية القرار أنه يأتي ضمن سياق التحرك الأوروبي الجاد في المرحلة الأخيرة نحو الترجمة العملية لموقف دول الاتحاد الأوروبي من عدم قانونية المستوطنات، وموقف دول الاتحاد الاوروبي المتطور الساعي للتحرر من الهيمنة الاميركية له علاقة أيضاً بمنظومة المتغيرات داخل مجتمعاتها، وبخاصة ما يتعلق منها بالحضور والتأثير للجاليات العربية فيها، وقرار الصندوق يعطي مؤشراًأيضاً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الفلسطينية اذا ما قررت المضي قدماً في الانضمام الى المنظمات الدولية، استناداً الى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة باعتبار فلسطين دولة غير عضو في المنظمة.