لم تكن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في الأراضي المحتلة حدثاً سياسياً طارئاً، وانما هي نتيجة حتمية ومباشرة لمعاناة الشعب الفلسطيني من القهر والعذاب والفقر والبطش والقمع والحصار والطوق الاحتلالي المستمر والمتواصل.
ومن الطبيعي أن يتفاعل المبدعون الفلسطينيون مع الهموم الشعبية اليومية والأحداث الوطنية والسياسية التي مرّ بها الشعب الفلسطيني المعذب، والتجاوب مع الانتفاضة المجيدة، ولذلك فقد بشروا بها قبل اندلاعها، وغنوا لها ،وهتفوا لأبطال الانتفاضة وأطفال الحجارة، وأنشدوا للشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعاً عن الحرية ومن أجل الاستقلال الوطني . كما وأشادوا بالوعي السياسي والرؤية السياسية الواقعية ، التي تعمقت أثناء الانتفاضة وتناولوا مختلف الجوانب النفسية والاجتماعية والسياسية والفكرية للشعب الفلسطيني.
وقد غلب المضمون الانتفاضي على القصيدة الفلسطينية التي حفلت بالصور والمفردات والاشارات المأخوذة من" قاموس الانتفاضة "مثل "الحجروالمقلاع والزجاجة والزنزانة والسجان والشهادة والدم والأرض والمخيم والثورة والتراب والفجر والصباح" وغيرها . هذا ووقع العديد من شعرائنا في الخطابية والتقريرية المباشرة والانفعال السريع والسطحية والمبالغة الواضحة ، التي وصلت حد تقديس وتأليه الحجر.
ومن القصائد التي صورت وتغنت وهللت للانتفاضة ومجدت المقاتل الفلسطيني قصيدة أمير الشعر الفلسطيني الراحل محمود درويش"مأساة النرجس وملهاة الفضة"و"رسالة الى غزاة لا يقرأون" لسميح القاسم ،و"شهداء الانتفاضة "للراحلة فدوى طوقان، و"قيامة الشهيد "لفاروق مواسي،و"حجر ما بعد الطوفان" لشوقي عبد الأمير،و"أم الشهيد" لمحمود دسوقي ،و"قمر على حجر الولادة"لعطاللـه جبر،و"في البدء كان الحجر"، و"لعبد الناصر صالح،و"رباعيات الحجر"للراحل عدوان علي الصالح ،و"صورة"ليوسف المحمود،و"قصيدة بأحرف حجرية"لحسين مهنا،"لو ضمني هذا الثرى كفناً"للراحل هايل عساقلة ،و"الطالب في الصف الشارع"لسميح فرج ،و"وعد الدهور والحجر" لمفلح الطبعوني ،و"العزم في أطفالنا المرد" لعبد الرحمن عواودة وسواها الكثير.
والحقيقة هي أن الانتفاضة الثانية ،انتفاضة القدس والأقصى ،لم تحظ مثل الانتفاضة الأولى بقصائد شعرية اللهم الا شذرات ونفحات هنا وهناك ، منها ما قيل عندما سقط محمد الدرة وايمان حجو ، ويبدو أن شعراءنا اكتفوا بما دبجته أقلامهم وفاضت به قرائحهم في الانتفاضة الأولى ، التي أحدثت نقلة نوعية في التعبير الشعري والأدبي.
مجمل القول، أن قصيدة الانتفاضة صورة واقعية حية لنبض الشارع الفلسطيني ،وهي صادرة عن معاناة حقيقية وصراع يومي ومواجهة صعبة مع المحتل ، وتطلع نحو الشمس والحرية والخلاص من القهر والبؤس والجوع، وقد نجحت أن تقوم بدور الفعل والفاعل لكنها للأسف لم ترتق بالانتفاضة الى مستواها السياسي والاجتماعي.