هذا هو الإسلام
أول إقطاع في الإسلام وقف الرسول لآل تميم الداري في فلسطين
الحلقة الثانية : روايات الوقف
لله ما أقدسك يا فلسطين ، بارك الله سبحانه وتعالى أرضك وما حولها ، وإلى عاصمتك ورمز طهرك ومسجدك الأقصى المبارك أسرى الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام ، ومنها عرج به إلى السماوات العلا وارتقى به حتى بلغ سدرة المنتهى { عندها جنة المأوى } ، فيك أرض أبي الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ؛ أقطعها صلى الله عليه وسلم الصحابيَّ تميماً بن أوس الداري رضي الله عنه ؛ والذي بلغتنا قصته بعدة روايات ذات قيمة علمية وتاريخية ، أذكر نصوص بعضها حسب رواية أصحابها بغير ذكر أسانيدها هنا تجنباً للإطالة على القراء الكرام ، ومن أراد التَّوَثُّقَ فيمكنه الرجوعُ إلى مصادرها .
1- رواية كتاب الخراج ص 132 : قال مؤلفه قاضي القضاة أبو يوسف رحمه الله { ... فقام تميم بن أوس الداري فقال يا رسول الله إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرون وأخرى يقال لها عينون ، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي ، فقال هما لك ، قال فاكتب لي بذلك كتاباً ، فكتب له : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري أن له قرية حبرون وبيت عينون قريتهما كلها وسهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده ولا يُحاقُّه فيها أحد ولا يَلِجُها عليهم أحد بظلم ، فمن ظلم واحداً منهم شيئاً فأن عليه لعنة الله } فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كتب لهم كتاباً نسخته [ بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول الله الذي استخلف في الأرض بعده ، كتب للداريين أن لا يفسد عليهم سندهم ولبدهم من قرية حبرون وعينون ، فمن كان يسمع ويطيع الله فلا يفسد منهما شيئاً، وليقم عمرو بن العاص عليهما وليمنعها من المفسدين ] .
2- رواية كتاب المواهب اللدنية 3/428 : روى مؤلفه عن أبي هند الداري قال { قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر ، فأسلمنا وسألنا رسول الله أن يقطعنا أرضاً من أرض الشام فقال : سلوا حيث شئتم ، فكتب لنا كتاباً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه : أني أنطيتكم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم برمتهم وجميع ما فيهم نطية بتٍّ ونفذتُ وسلمتُ ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم إلى أبد الأبد ، فمن آذاهم فيه آذاه الله . شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتبه علي وشهد } .
3- رواية كتاب الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل 2/228 : قال مؤلفه مجير الدين الحنبلي : حكى المؤرخون لفظ الإقطاع على وجوه مختلفة ، رأيتُ عند التكلم عن الإقطاع المشار إليه في قطعة الأديم التي يقال أنها من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صارت رثة وفيها بعض آثار الكتابة ، ورأيت ورقة مكتوبةً في الصندوق الذي فيه قطعة الأديم وقد نسب خط هذه الورقة إلى أمير المؤمنين المستنجد بالله العباسي كتب فيها نسخة الإقطاع ، وصورة ما كتبه المستنجد بخطه " الحمد لله ، هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه لتميم الداري وإخوته في سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه رضي الله عنه وعن جميع الصحابة نسخته كهيئته { بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وإخوته ، حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بتٍّ بينهم ، ونفذتُ وسلمتُ ذلك لهم ولأعقابهم ، فمن آذاهم آذاه الله ، فمن آذاهم لعنه الله . شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ، وكتب علي بن أبي طالب وشهد } .
4- رواية كتاب الأموال ص 355 : نقل المؤلف أبو عبيد في لفظ هذه القصة بأن تميماً قال { يا رسول الله إن الله مظهرك على الأرض كلها ، فهب لي قريتي من بيت لحم ، فقال صلى الله عليه وسلم : هي لك ، وكتب له بها } فلما استخلف عمر فظهر على الشام جاءه تميم بالكتاب ، فقال عمر أنا شاهد ذلك ، فأعطاه إياها ، وقال ليس لك أن تبيع ، قال : فهي في أيدي أهل بيته إلى اليوم .
5- رواية الطبقات الكبرى 2/107 : في سياق روايته حضور الداريين أورد ابن سعد كلام تميم للرسول صلى الله عليه وسلم { لنا جيرة من الروم لهم قريتان يقال لإحداهما حبرى والأخرى بيت عينون ، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي قال : فهما لك } ثم ذكر ابن سعد أن كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لتميم بن أوس الداري { هذا كتاب من محمد النبي لتميم بن أوس الداري أن عينوناً قريتها كلها سهلها وجبلها وماؤها وحرثها وكرومها وانباطها وثمرها له ولعقبه من بعده ، لا يحاقه فيها أحد ولا يدخله عليهم بظلم ، فمن أراد ظلمهم أو أَخذَه فإنه عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكتب علي } .
6- رواية كتاب تهذيب التهذيب 3/6 : أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني قصة الإقطاع في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ، وفي كتابه تهذيب التهذيب ، وفي رسالته " البناء الجليل بحكم مدينة الخليل " ص7 ؛ حيث خرَّج فيها رواية الإقطاع والدعاء الذي في آخره { فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } .
7- التراتيب الإدارية 1/143 : قال مؤلف الكتاب تعقيباً على كتب ورسائل الرسول صلى الله عليه وسلم التي أرسلها إلى الآفاق [ آخر مكتوب نبوي حفظ التأريخ عينه لنا من كتبه (عليه السلام) لأهل الإسلام وتحافظهم عليه . . . الكتاب الذي أقطع به تميم الداري أرضاً بالشام ، وهو مكتوب مشهور معروف في العصور السابقة ؛ تكلم عليه أهل الحديث والتأريخ والفقه وغيرهم .
وروى عدد كبير من الرواة الإقطاع وقصته ، منهم على سبيل المثال :
* ورد في فتوى الشيخ بخيت المطيعي ص23-24 مفتي الديار المصرية عن سماعة أن تميماً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطعه قريات بالشام ، بيت عينون وفلانة والموضع الذي فيه قبر إبراهيم واسحق ويعقوب ، قال وكان بها ركحة (أي ناحية) طيبة ، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { إذا صليتُ فسلني ذلك } ففعل { فأقطعهن إياه بما فيهن } فلما كان زمن عمر وفتح الله الشام أمضى ذلك لهم ، فقال أهل المدينة ما الذي اشتراه الداريون ؟ فقال بجميع أركاحها أي بجميع نواحيها .
* وعن حميد بن زنجوة عن راشد بن سعد وذكر فيه { هذا كتاب محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري أن له حبرى وبيت عينون قريتها كلها ، سهلها وجبلها وماؤها وحرثها وأنباطها وثمرها ولعقبه من بعده لا يحاقُّهم فيها أحد ولا يَلِجُها عليهم أحد بظلم ، فمن ظلمهم أو أخذ منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وكتب علي } ثم ذكر كتاب أبي بكر للداريين لعمرو بن العاص ، وأن عمر جعل ثلث الريع لهم والثلثين لعمارة الأرض ولأبناء السبيل .
* وأورد أبو الحسن الماوردي حكاية الإقطاع على سبيل الاختصار في كتابه الأحكام السلطانية ص 169 .
* وورد في كتاب صبح الأعشى3/104 بعد تعريف الإقطاعات : وأما أصلها في الشرع فما رواه الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق يسنده إلى ابن سيرين عن تميم الداري أنه قال [ استقطعتُ رسول الله فأقطعني أرضاً من كذا إلى كذا ، فجعل عمر ثلثها لابن السبل وثلثها لعمارتها وثلها لنا ] .
* وروى العمري في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار أنه رأى كتاب الإقطاع النبوي الشريف رؤيةً مزيلةً للشك ، ووصفه بأنه في قطعة سوداء من مَلْحَمِ قطنٍ وحريرٍ من كُمِّ المستضيء بالله أمير المؤمنين ، وبطانتها من كتَّان أبيض على تقدير كل إصبع منه ميلان أسودان مشقوقان بميل أبيض ، جُعِلَ ضمن أكياس يضمها صندوق من أبنوس ملفوف بقطعة من حرير ، أما الكتاب الشريف ذاته فهو من خف من أدمٍ أظنها من ظهر القدم ، وموَّهَ سواد الجلد على الخط لكن لم يذهبه ولم يُخْفِ كتابته ، ومعه ورقة كتبها الخليفة المستضيء بالله [ نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه لتميم الداري وإخوته سنة تسع للهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة من خف أمير المؤمنين عليّ وبخطه ] .
الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً
www.tayseer-altamimi.com ، [email protected]