وسط فرحة بعض الموظفين وتهليل اتحادات العاملين، أطلقت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين النار على ألاف الخريجات والخريجين، وأردتهم قتلى، بعد أن هدمت طموحهم، وسحقت أحلامهم، وبصقت في وجه شهاداتهم العلمية، حين وافق المفوض العام في نهاية عام 2012 على تمديد سن التقاعد للموظفين حتى 62 سنة.
إنه قرار جائر في زمن غائر، جاء استجابة لرؤيا عاقر، لا تخدم إلا أولئك العجائز الذين أكل الدهر عليهم وشرب، وقرروا أن يستبدلوا طاقة الشباب بوهن الشيخوخة، وأن يستأثروا بالوظيفة لأنفسهم طول العمر، ليحرموا الأجيال الشابة من فرصة البقاء، لقد فتحوا أبواب الفرح على أنفسهم، ليغلقوا أبواب الفرج عن آلاف الشابات والشباب الملهوفين على فرصة عمل.
لقد نسي أولئك الذين طالبوا بتمديد سن التقاعد، كما نسي المفوض العام حين استجاب لطلبهم أن سكان مخيمات اللاجئين لا يشبهون سكان ألمانيا واليابان، ولا يشبهون سكان الصين التي صار لديها نقص مقداره 20 مليون عامل، فاضطرت لتمديد سن التقاعد، لقد نسي اتحاد العاملين أن سكان المخيمات يتكاثرون بنسبة تفوق كل البشر، حتى صارت نسبة الشباب الذين سيحرمون من الوظائف هي 29.8% أما نسبة أولئك الذين تم التمديد لهم للعمل سنتين إضافيتين فلم تتجاوز 4.4% من مجموع السكان، وجميعهم يشكو من مرض مزمن واحد على الأقل. فكيف يصير إرضاء الأقلية على حساب الأكثرية؟ وكيف يظل الشباب الخريجون في البيوت قاعدين بلا عمل، يدفنون عنفوانهم على صفحات التواصل الاجتماعي، ويفتشون في جيوب آبائهم عن المصروف، بينما يخرج العجوز ابن الستين إلى العمل، وهو يسعل، ويبصق، ويرتجف تحت كومة الملابس الشتوية، كي يضيف إلى مدخراته شيئاً؟
إن قرار تمديد سنة التقاعد الذي أدخل البهجة على قلوب بعض الموظفين هو بمثابة نكبة للمجتمع الفلسطيني، لأنه لا يؤثر على الخريجين فقط، وإنما سيؤثر على قدرة طلابنا في التحصيل والتعلم، وسيؤثر على الاستقرار والتطور في مخيمات اللاجئين، ولاسيما أن الموظف العجوز الذي تجاوز الستين سيكون حريصاً على تنفيذ أوامر المسئولين الأجانب دون تفكير في المصلحة العامة للاجئين، وهذا ما يردده معظم موظفي الأونروا في جلساتهم، وهم يقولون: إن استجابة المفوض العام لطلب تمديد سن التقاعد قد جاء منسجماً مع رغبة الأونروا في التمديد لبعض كبار الموظفين، الذين نفذوا سياسة الأونروا، وطمسوا إبداعات الجيل الصاعد من الموظفين الذين تأبى كرامتهم أن يكونوا عصاً في يد الأونروا، تصفع ظهر الزملاء.
وما أرقى أدبيات مجتمعنا الفلسطيني التي ترفض أن يهان الإنسان في نهاية عمره، ليواصل العمل وسط شباب يسخرون من أمسيته التي لا تنسجم مع ضحاهم، ويعيبون زمانه الذي يلهث خلف فتوة زمانهم، ويستخفون بحديثه الذي فارق خيالهم، ويهزئون من سلوكه العجائزي الذي لا يتواءم مع انطلاقتهم !.
وإذا كانت مأساتنا السياسية تكمن في أزلية القيادة، وعدم بلوغها سن التقاعد، فإن إسقاط قرار تمديد سن التقاعد ـ بإرادة الخريجين وإرادة جموع اللاجئين ـ واجب وطني.