على القدس رايحين أبطال وأحرار بالملايين

بقلم: مازن صافي

لم يطلق الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" كملته "نحن لا نغوى الموت، لكن مرحبا بالشهادة إن حصلت، على القدس رايحين أبطال وأحرار بالملايين" كشعار، بل هي تحذير حقيقي ورسالة واضحة في نفس الوقت، فالتحذير أن القدس هي عنوان السلام وهي عنوان الانفجار، والفشل في اختيار العنوان يعني انفجار الأوضاع ودخول عملية السلام والمنطقة في نفق مظلم.

والرسالة أن البطولة والشهادة أمام القدس هي تواصلا مع كلمته المشهورة أيضا " ارفع رأسك أنت فلسطيني"، وبالتالي لم تكن الصرخة الكلمة استهلاكا للوقت، ولقد قرأتها المؤسسة الإسرائيلية بتعمق وخرج البعض من الاسرائيلين ليقول أن " عباس أخطر من عرفات".

إن الرئيس محمود عباس صادق في تحذيراته وحريصا في نفس الوقت على عملية السلام ، ويقود الشعب الفلسطيني نحو مرحلة الدولة والعاصمة، ولديه الخبرة الكافية للتعامل مع كافة الملفات والمستويات السياسية، وقراءتي لمقولته الأخيرة: "أن السياسة الإسرائيلية تجاه القدس والمقدسات مرفوضة، وتهويد القدس وتهويد مقدساتها والتمسك بها عاصمة موحدة أبدية (لإسرائيل) هي مجرد أوهام إسرائيلية مثلها مثل " الدولة اليهودية"، وأن أهل فلسطين والقدس سيدافعون عن مقدساتهم ومقدسهم مهما كلف الأمر، سيدافعون أبطالا، وإن كان الثمن هو الشهادة فمرحبا بلقاء الله، وفي هذا أيضا مزج بين العمل السياسي والجذور الدينية للصراع، وبالتالي على إسرائيل أن تختار قبل فوات الأوان.

وتلتقي منهجية الرئيس محمود عباس في كلمته مع منهجية الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات في عبارته الشهيرة في الأغوار لتنقلها مجلة تايم الأمريكية على غلافها آنذاك بأننا “لسنا لاجئين بل مقاتلين من أجل الحرية”، لا بل أراد أراده لمستقبل الأجيال عبر شعاره الذي ردّده وهو يدرك أنه على مسافة أسابيع من الشهادة قائلا "على القدس رايحين شهداء بالملايين."

إن ما قاله الرئيس أبو مازن هو وصية وطنية وليست هتافا أو شعارا، بل تواصلا مع أسلوب النضال والكفاح الفلسطيني، الذي دوما يعتبر القدس بوصلة الحق الفلسطيني وتجديدا للثورة وتعبئة لكل فلسطيني .

وكان الرئيس أبو مازن قد قال كلمته قبل أيام  في مقر الرئاسة في مدينة رام الله بالضفة الغربية أمام شخصيات وفعاليات تمثل مدينة القدس "يقولون (الإسرائيليون) إذا لم تعترفوا بيهودية (إسرائيل) فلن يكون هناك حل، ونحن نقول لن نعترف ولن نقبل ولدينا حجج وأسباب كثيرة لرفض هذا الحديث الذي لم نسمعه إلا منذ سنتين، و من دون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين لن يكون هناك سلام بيننا وبين إسرائيل".

وحين قال أن "مدة المفاوضات تسعة أشهر وبعدها نحن أحرار فيما نفعل، المدة ليست مفتوحة بل محددة، وموقفنا المجمع عليه ليس سرا وكتبنا فيه رسائل" فهذا معناه أيضا : أنه بعد انتهاء فترة المفاوضات المحددة فإنه لن يتبق أمام الفلسطينيين سوى مواصلة الدفاع عن التطلعات الفلسطينية في إطار قرارات الأمم المتحدة ومواصلة النضال للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، والعمل بكل الوسائل المشروعة من أجل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ودون التنازل عن الثوابت والحق المقدس في الحياة الكريمة لكل فلسطيني .

ولقد وجه  الرئيس أبو مازن رسالة لكل  العالم وتتضمن : " نقول للعالم، الفلسطينيون لن يركعوا، وهذا ليس كلاما في الهواء، عندما قلنا لن نركع، وقفنا وصمدنا وصبرنا نحن فعلا شعب أيوب، ومستعدون أن نصبر، لكن في النهاية لا بد أن نحقق ما نريد، وما يريده شعبنا بهذه الزهرات وهؤلاء الشبيبة الصامدين الصابرين الذين يفعلون الأعاجيب في القدس وغيره، نحن أصحاب حق رغم أننا ضعفاء في العالم وسنستمر في المطالبة بحقنا وسنحصل على حقوقنا، نحن طلاب حق والعالم كله بدأ يتعرف ويتفهم ويعيشون. "

إن مضمون الرسالة ومدلولاتها تعني مواصلة العمل بنفس منهجية الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات، وكشف للتهديدات اليومية التي تواجهه وتحذيرات جدِّية أن القيادات الإسرائيلية وحكومة نتنياهو لا تحسن قراءة وقائع التاريخ ، وهي تمضي في دفع المنطقة نحو الكارثة، وعليها أن تتأكد تماما أن شعبنا الفلسطيني غير قابل للكسر أو الاستسلام، وأن مقولة أن الأجيال تنسى لن تتحقق، لأن الأجيال تحمل الرسائل وتسير على نفس درب الأباء والأجداد، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم والحق الفلسطيني حي لن يسقط وسيستمر النضال الفلسطيني طالما هناك طفل فلسطيني .