لماذا يكذب المسؤول؟

بقلم: رامي الغف

الكذب صفة ذميمة، وصاحبها شخص منبوذ، والذي يُمارس الكذب ويَعرف عنه الآخرون هذه الصفة يُقابل بالغبن وبالاستياء والتهميش والإقصاء، ويفقد ثقة المحيطين به والقريبين منه، هذا على المستوى العام فالثقافة السائدة في مجتمعنا الفلسطيني، تُقصي الأشخاص الذين يمارسون هذا الفعل وتضعهم في أدنى مراتب السُّلم الاجتماعي، لكن هناك كذب آخر يرتدي لبوس المسؤولية والعطاء والإخلاص، فأصبح جزءاً من ثقافتنا اليومية وأعني الثقافة السائدة في مؤسساتنا ووزاراتنا ودوائرنا الحكومية، وهي ثقافة هجينة تحكمها الممارسات السلبية لبعض مسئولينا، فمفاهيم مثل "الواسطة"و"المحسوبية"و"قرابة المسؤول" و"الحاشية العائلية" والسعي إلى الحصول على "الاستثناءات وكسر الأنظمة" هي قيم مستمدة من ثقافة اعتادت على التراتبية والهبات، ولم تتشرب بعد قيم النظام والواجبات لذلك شاعت أنماط سلوكية من نوع النفاق الإداري والاستجداء والتزلف ومن خلالها ارتقى إلى مراتب المسؤولية أشخاص تنقصهم الكفاءة والقدرة والجدارة فاستعاضوا عنها بالتضليل والهالة الإعلامية الخادعة، فأصبح إعطاء نصف الحقيقة وحجب النصف الآخر جزءاً من سلوك بعضهم وممارساتهم، وأعني بالكذب والتضليل الأسلوب الذي تنتهجه بعض القطاعات الحكومية ومسئوليها في الحديث عن مهامها ومسؤولياتها وأعمالها، فالرسائل الإعلامية التي تضخها هذه القطاعات عبر وسائل الإعلام المحلية هي رسائل مثقلة بالإنجاز والتفاني والإبداع والتطور، وجميع برامج هذه الجهات ومشروعاتها ناجحة ومتميزة وتحقق الأهداف المرجوة منها وربما حصلت على جوائز عالمية ومحلية، في حين أن واقع هذه القطاعات يقول خلاف ذلك.
نعني بالمسؤول هنا، الموظف الحكومي الذي تكون له قدرة واضحة وكبيرة على التعامل مع احتياجات المواطنين وتلبيتها، وفقا لصلاحيات قانونية يتمتع بها هو دون غيره، نتيجة لوجوده في هذا المركز الوظيفي أو ذاك، وبهذا يكون لوجوده في هذه الوظيفة (التي غالبا ما تكون قيادية) مساس مباشر مع حياة الناس، ويكون لقراراته وطريقة إدارته نتائج واضحة على النجاح أو الفشل في تحقيق ما يحتاجه الناس، تبعا لنوع الخدمة الوظيفية التي يقدمها.
إن المواطن في وطننا لاحظ تكرار حالات الكذب في التصريحات التي تتحدث عن تلبية الخدمات والاحتياجات، من لدن هذا المسئول أو ذاك، من بينهم وزراء أو سفراء أو وكلاء وزارات أو مدراء عامين، ومنهم من يتربع على منصب حساس، يمكنه من خلاله إذا اشتغل بضمير حي، أن يخدم الناس خدمة حيوية وكبيرة، بيد أن هناك مسئولين يكذبون على المواطن، بمعنى أوضح، يظهرون على شاشات التلفاز أو في الإذاعات، أو في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، ويعلنون قرب الانتهاء من انجاز المشروع الفلاني، أو سوف تنتهي معاناة كذا شريحة قريبا، او إننا توصلنا إلى حل المشكلة الفلانية بصورة نهائية، وهكذا تستمر التصريحات الكاذبة كأسلوب أتقنه بعض المسئولين لامتصاص نقمة الناس عليهم، وعلى وزاراتهم ودوائرهم، فضلا عن تقربهم للناس عندما تقترب الانتخابات او تكون هناك مصلحة قريبة للمسئول من المواطن.
نعم هناك مسئولون يكذبون على الناس في وضح النهار، وتمر أكاذيبهم من دون حساب، ويبقى المواطنون يتذكرون التصريحات بحسرة، مع نقمة تتزايد يوميا على بعض الأجهزة الحكومية التي يقودها أو يديرها مسئولون فاشلون ومنافقون وكاذبون، فهل يصح أن تستمر هذه الظاهرة في ظل نهج ديمقراطي تحرري؟؟ أليس من الصحيح أن تتحرك الجهات المعنية في الحكومة لكي تضع حدا لمثل هذه الأكاذيب، ونعني هنا برئاسة الوزراء، أليس من الواجب على أمانة رئاسة الوزراء أن تضع ضوابط واضحة المعالم تعاقب من خلالها من يكذب من المسئولين على المواطن؟ ثم أليس من الصحيح أن توضع في هذا الصدد، تشريعات واضحة سواء من السلطة التشريعية أو الجهات المعنية لكي تضع حدا للتصريحات الكاذبة؟ وهكذا الكثير من التصريحات التي لم تعد تنطلي على المواطن، وهذا ما يؤكد فقدان الثقة على نحو جدي، بتصريحات المسؤولين، لذا لابد من معالجات قانونية تحد من هذه الظاهرة، التي لا ينحصر ضررها بالمسؤول وحده، بل تتعدى شخصه إلى دائرته أو مؤسسته أو وزارته كلها، ناهيك عن الضرر الذي تلحقه بالأداء الحكومي على نحو عام.
وإذا كان المسؤول لا يعي حجم الضرر الذي يلحق بالمواطن نتيجة لتصريحاته، فحري بالجهات المعنية، أن تضع وتصدر القرارات الصائبة التي تحد من هذه الظاهرة، لأن تصاعد هذه الظاهرة وتناميها وتكرارها على نحو لافت، يؤكد عدم أهلية كثير من المسئولين للمناصب التي يشغلونها، ويؤكد أيضا عدم شعورهم بحجم مسؤولياتهم، ويؤكد قطعا طبيعة شخصية المسئول المتكونة من جملة سمات وصفات رديئة، مثل اللامبالاة والإهمال والاستئثار وسواها، مما يؤكد عدم أهليته لمنصبه، فضلا عن الحاجة القصوى إلى أسلوب الردع والمتابعة من اجل القضاء على هذه الظاهرة المستفحلة.
أعود إلى السؤال المطروح في العنوان، وهو لماذا يكذب المسؤول؟ وأميل إلى الإجابة التي تقول إن المسئول عندما يكذب ويستمرئ الكذب لأنه لا يجد في الإعلام من يقول له بأنك تستحق المحاسبة على هذا التضليل، ولا يجد من يذكّره بتصريحاته وأقواله ووعوده المتناقضة، ولا يجد من يقارن بين خططه أو خطط الجهة التي يقودها وبين النتائج التي حققها على أرض الواقع وليس على الورق وفي وسائل الإعلام، فما أحلى أن يكون المسئول صادقا في وعده وأن يتطابق ما يقوله أو يصرح به على أرض الواقع، ليكسب ثقة الجماهير، ويكون كلامه ذا مصداقية وتأثير على المستمعين، بل إن المسؤول الصادق والمتميز والحريص على سمعته ينبغي عليه أن لا يصرح بأي وعد لاسيما إذا كان مفرغا من مقومات النجاح، لئلا تخدش مصداقيته ويصاب الجمهور تبعا لذلك باليأس والقنوط من المواعيد الكاذبة التي ربما تتفاقم وتضحي وبالا على مطلقيها، وأخيرا ليعلم الكذابون والأفاكون إن حبل الكذب قصير وإن مطلقيه يتهاوون إلى الحضيض عاجلا أم آجلا ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والعاقبة للصادقين.
إعلامي وباحث سياسي
[email protected]