بين عقدة النقص وانعدام الثقة وبين الديمقراطية الورقية ..؟!!

بقلم: حامد أبوعمرة

من مركبات النقص العضالية التي لم نتمكن التخلص من تبعاتها أو الشفاء منها اليوم،و هو ما أن يصل رئيس أو زعيم من الزعماء إلى سدة الحكم ..عبر انتخابات حرة ونزيهة شهد بها العالم أجمع، واقرها لما اتصفت به من شفافية ووضوح وإلا ونهلل له بكل حب وتقدير واحترام حيث يرفع الجميع شعار عاش الملك ..!!وبعد فترة وجيزة تصورها الكثيرون أنها لم تلبي مطالبهم الشخصية قلبوا ذاك الشعار بعدد درجات الدائرة ،وليصبح الشعار السائد حينئذ ليمت الملك أو يرحل..!! وما أسرعنا عندما ننهال جميعا على ذاك الرئيس أو الزعيم بوابل من السباب ،والقذف عند أول عثرة تعتري حياتنا العملية فنشبب بإتهامة على الفور بالعمالة والجوسسة والخيانة.. وأن الأمريكان لما رضوا عنه ارتقوا به إلى سدة الحكم بصورة قصريه، وتعسفية ليس حبا وتقديرا لشخصه بل لقهر الجماهير الملتهبة التي تحمل في جنباتها جبال شاهقة تكونت بفعل حصي الأحقاد المتراكمة ،والكره الدفين لأمريكا ،ومن والاها ،وكما يزعم الكثيرون في بلداننا العربية من مثقفين أو عامة الناس أن أمريكا تدرك عدم مقدرتها على السيطرة الكاملة أو بسط نفوذها على العالم مهما تطورت بتقنيتها وخبرتها ،وأن شراؤها لمن يمثلها كذراع ٍ ضارب يتم اختياره بدقة ممن يمثلهم أو ينوب عنهم من جنس ذات الجسد وذات الأرض ولإحكام سيطرتها على كل بقاع الأرض كان ذلك فقط عبر بوابة واحدة من عملاؤها من ذوي الزعامة والرئاسة الذين اعتلوا قبة الحكم ..!!
وتلك هي عقدتنا الراهنة ،والتي تتجسد في انعدام الثقة عند الخيار الديمقراطي ،فإذا كانت تلك نظرتنا عندما نختار بكامل إرادتنا ،فكيف يمكن لنا إذا أن نفهم ذاك الخيار الديمقراطي ..وإلا ماذا نسمي ما قيل عن الملك فاروق أيان حكمه وبعد رحيله من تناقضات واسعة ..والملك فاروق (11 فبراير 1920 - 18 مارس 1965)، آخر ملوك المملكة المصرية وآخر من حكم مصر من الأسرة العلوية. استمر حكمه مدة ستة عشر سنة إلى أن أرغمته ثورة 23 يوليو على التنازل عن العرش ..جدير بالذكر أن نكتب عنه انه لما اعتلى عرش مصر أحبه الشعب المصري بكل أطيافه وكل فئاته من كُتّاب وأدباء أومن عوام الناس آنذاك ،وأحبوه أكثر لما تزوج الملكة فريدة والتي اسمها الحقيقي صافيناز ذو الفقار ،وما أن تطلقا في عام 1949 إثر خلافات كبيرة بينهما، ومن بينها عدم إنجابها وريثًا للعرش، وقد اعترض الشعب على الطلاق، لأنه كان يحبّها ويشعر بأنها لصيقة بطبقاتهم وبأحوالهم، وعندما طلقها انقلب الحب للملك إلى غضب ٍ عارم من قبل الشعبُ ،فطافت المظاهرات الشوارع بعد طلاقها تهتف «خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة».وبعدما غادر فاروق الملكية، وبعد تنازله عن العرش حيث أقام في منفاه بروما ..إلا وقام بعض الأدباء بإشهار سيوفهم ومحاربته رغم أنهم يدركون إفراغ الساحة من الدفاع حتى عن النفس ،أمثال بعض كُتّاب الصحف مثل مصطفى أمين وإحسان عبد القدوس وغيرهم أولئك الذين كانوا يروجون بأنه أي الملك فاروق بأنه أنه كان زير نساء يحيط نفسه بالعشيقات والفنانات كما أفاضت القصص الصحفية في ذلك وصورته السينما والدراما،وأنه كان مدمن على شرب الخمر ولعب القمار ،ثم اليوم في أيامنا نجد الذين يتابعون بشغف متابعة حلقات مسلسل " الملك فاروق "وكما قال الكاتب فرانسوا باسيلي وهو كاتب من مصر مقيم بنيويورك ،وحقيقة أني وجدت انسجام بين رأيي ،ورؤيته في مقولته :"أن مسلسل الملك فاروق آثار مناقشات واسعة وآراء وعواطف متضاربة إذ أعاد إلى بعض المخضرمين الذين عايشوا فترة حكم الملك لواعج الحنين إلى عصر مضى وطفولة بريئة متوارية. والغريب أن بعض المعلقين المندفعين وراء أهواء سياسة ومصالحيه حاولوا تفسير إقبال الجماهير بشدة على مشاهدة المسلسل بأنه إثبات لحب الناس للملك السابق وعهده، وهذا خلط مضحك حقا " .
وأني أضيف هنا أن الكثير من المعاصرين اليوم،وليس المخضرمين فحسب سواء أكانوا من كبار السن أوجيل الشباب ..كم تمنوا أن تعود مصر إلى عهد الملكية السابقة،وليس إلى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ،ولا عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات أو حتى عهد الرئيس حسني مبارك ..إن ذاك الحنين بالوقف اليوم على أطلال الماضي له تفسير واحد عندي ليس حبا للملك أو كرها في الجمهورية بل هو حنين إلى الأرض الطاهرة، والتربة الخصبة النقية ،والخضرة ،والمياه ..مياه النهر العظيم الذي كان عذبا فيما مضى لكنه اليوم قد تلوث بعدما تلطخت مياهه بدم الأبرياء ،..الذين يتهمون اليوم الملك فاروق بأنه كان ديكتاتورا أو مستبدا لم يكن همه سوى حب العرش والحفاظ عليه..!! هم نفسهم اليوم يعيدون ذات التجربة مع الفارق الزمني أولئك الذين استنسخوا ذات الديمقراطية الورقية التي كان يمارسها الملك ببراعة مع الباشوات لعبة الكراسي الموسيقية بينما كان الريف المصري في الصعيد وفى الوجه البحري يعانى من الجهل والتجاهل والظلام والأمراض بما فيها وباء الكوليرا بل وفى بعض الأحيان يعانى من الجوع إذ كانت تعانى بعض الوزارات من مشكلة تأمين الخبز للشعب المصري ولم يكن يصل عدده سوى حوالي خمسة عشر مليونا في ذلك الوقت. بل استمر صراع زعماء الأحزاب وانقسامات الوفد وتناحر "زعماء الأمة" بينما كان "رومل" على حدود مصر. وهو أشبه بالحال اليوم في مصر حيث الصراع الدائر من أجل الحفاظ على عرش الحكم بين رجالات السلطة ،ومساكين الشعب الذين هم الضحايا ،والذين يدفعون الثمن دائما إثر ذاك التناحر البغيض ،والفوضى العارمة وضياع الأمن والاستقرار ..والسؤال المطروح في خاطري دائما هل يمكن أن تنعم مصر بالأمن والأمان بعد التصويت على الدستور وخوض الانتخابات أم أن ما سيحدث هو تكرار مؤلم لتلك الديمقراطية الورقية ؟!!