"ليبرمان" وخطة نقل "المثلث" إلى الأراضي الفلسطينية

بقلم: غازي السعدي

أدرك الفلسطينيون مبكراً، خطورة النوايا الإسرائيلية، بانتزاع اعتراف منهم بـ "يهودية الدولة"، أي اعتبار إسرائيل الوطن القومي للشعب اليهودي، فعرب الداخل الذين يبلغ تعدادهم مليون وستمائة وخمسة وستين ألف نسمة حاليا يعادلون 21% من نسبة سكان إسرائيل من حملة الجنسية الإسرائيلية، مع أن نسبتهم تزيد عن ذلك، إذا استثنينا نحو مليون يهودي إسرائيلي هاجروا من إسرائيل، وحصلوا على جنسيات أخرى، لكنهم ما زالوا مسجلين في سجلات وزارة الداخلية الإسرائيلية، ضمن تعداد السكان العام، فالسلطة الفلسطينية التي رفضت طروحات وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، المدعومة من رئيس الوزراء "نتنياهو" بضم منطقة المثلث، ومدن وقرى وادي عاره التي يبلغ تعداد سكانها نحو (300) ألف مواطن فلسطيني، إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، ضمن الخطة الإسرائيلية للتخلص منهم، لتقليص عدد المواطنين العرب في منطقة 1948، الآخذ بالازدياد، فقد تكتشف اللعبة الإسرائيلية من وراء المطالبة بالاعتراف بـ" يهودية الدولة"، التي تشكل خطراً على عرب الداخل، إضافة إلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين كلياً، فإن السلطة الفلسطينية رفضت بشدة مثل هذا الاعتراف، كذلك العرب في الداخل وقيادتهم المتمثلة بنواب الكنيست، وبلجنة المتابعة لشؤون العرب في إسرائيل، بل وأكثر من ذلك، فإن هذا الموضوع ليس مطروحاً على جدول أعمال المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وزير الخارجية "ليبرمان"، يعلن المرة تلوى الأخرى، أنه لن يؤيد اتفاقاً بين إسرائيل والفلسطينيين، لا يضمن التخلص من المثلث ووادي عاره بسكانه، في إطار الحل مع الفلسطينيين، في إطار تعزيز يهودية الدولة كما يقول، وهذا شرطه الأساسي الذي لا يعتبره "ترانسفير"، ويقول أنه لن يتم مصادرة أراضٍ ولا بيت أحد، بل نقل خط الحدود إلى شارع (رقم6) الذي يفصل بين وادي عاره وإسرائيل، ويتبجح "ليبرمان" أنه أبلغ اقتراحه هذا إلى المجموعة الأوروبية والدولية، مقابل بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية في أية تسوية قادمة، فإن هذا الطرح له أبعاد خبيثة، حين يطالب ليبرمان بنقل الشريط الحدودي في منطقة وادي عاره، وبضم هذه المنطقة مع سكانها إلى الدولة الفلسطينية، حتى أن هذا الطرح يلقى معارضة بعض القيادات الإسرائيلية، اليمينية واليسارية، فالقوى اليمينية الإسرائيلية ترى به انسحاباً من مناطق إسرائيلية فهي تعارضه، أما القوى اليسارية فإنها ترى به غير قانوني، وغير ديمقراطي وعنصري، ويقف أمام تطبيقه مسألة الجنسية التي يتمتع بها المواطنون العرب في منطقة المثلث.

باحث إسرائيلي عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي هو "شاؤول أرئيلي" أعد بحثاً قبل ست سنوات، حول إمكانية إجراء تبادل سكاني، بضم المثلث إلى السلطة الفلسطينية، مقابل ضم مناطق استيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل، خلص لاستنتاج في بحثه، بأن الأمر غير قابل للتطبيق، وغير واقعي وعملي، لا على المستوى السياسي ولا على مستوى التطبيق الفعلي، "يديعوت 7-1-2014"، كما أن رئيس الدولة "شمعون بيرس" يرفض مقترح "ليبرمان"، لأنه غير عملي ويرفضه من الناحية المبدئية، بقوله: "لا يحق تهجير مواطن عربي من مكان سكناه لمجرد كونه عربياً"، أما البروفيسور "موشيه هنغبي"، الخبير القانوني، ففي رده على استشارة قانونية في هذا الموضوع قال:"لا يمكن نقل المواطنين، من أراضيهم ومنازلهم إلى دولة أخرى دون موافقتهم، بل وحتى موافقة شخصية لكل فرد وفرد، ولا يمكن إرغام مواطن على الانتقال لدولة أخرى، أو القبول بجنسية أخرى دون موافقته، وأن كل من لا يوافق على اقتراح "ليبرمان" بالانتقال إلى أراضي السلطة الفلسطينية، سيكون له كامل الحق البقاء في المكان الذي يعيش فيه ومواصلة السكن به"، ويضيف أن: "القانون الدولي ينص على عدم قانونية إرغام إنسان على مغادرة دولته، أو تغيير جنسيته، دون الحصول على موافقته الشخصية، وكان على "ليبرمان" دراسة القانون الدولي في هذا الموضوع قبل هذا الطرح".

لقد جاءت ردود فعل غاضبة من قبل عرب الداخل على طروحات "ليبرمان"، اعتبروها اقتراحات عنصرية وتطهيراً عرقياً وسخيفاً وغير عملي وغير أخلاقي وخطير، سبق أن طرحها "ليبرمان" عام 2004، لكنها رفضت من قبل الإدارة الأميركية، وهي طروحات مرفوضة، تهدف إلى إقامة الدولة اليهودية خالية من العرب، لتقوية طابعها اليهودي، وهذا من شأنه إلغاء المواطنة عن آلاف المواطنين العرب في منطقة 1948، فإسرائيل التي يتواجد بها أغلبية يهودية، وأقلية قومية عربية، هي دولة لكل مواطنيها، رغم وجود أغلبية يهودية، فالعرب في الداخل هم الأصليون، ولا يمكن مقارنتهم ومبادلتهم بالمستوطنين الذين سلبوا أراضي الفلسطينيين، من خلال الإجراءات العسكرية الإسرائيلية العنصرية، التي تتناقض مع القانون الدولي، فإسرائيل تحاول إلغاء الرواية الفلسطينية وأحقيتها في فلسطين، لإحلال الرواية الصهيونية المزيفة مكانها، واعتبار الفلسطينيين الذين ولدوا على هذه الأرض دون حقوق، وكأن عرب الداخل ضيوفاً يمكن اللعب بهم كحجارة الشطرنج.

لقد توالت ردود الفعل من عرب الداخل، على طروحات "ليبرمان"، كالنار بالهشيم، ففي بيان لمجلس بلدية أم الفحم، هذه المدينة التي تشكل شوكة في حلق "ليبرمان" والمتطرفين، وصفوا الاقتراح بنكبة أخرى، تضاف إلى ما لحق بالفلسطينيين من نكبات، وما تعرضوا له من ممارسات منذ حرب 1948، رافضين المقارنة بين البلدات العربية في وادي عاره، والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجاء في البيان:" نحن أبناء هذه الأرض، ورثناها من آبائنا وأجدادنا، ولا يحق لأحد الحديث أو التفاوض بالنيابة عنا في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين"، ودعا البيان السلطة الفلسطينية، إلى اغقال أقوال "ليبرمان"، واعتبر النواب العرب في الكنيست، أن خطة ليبرمان مرفوضة، وهو اقتراح خيالي لا يستسيغه عاقل، ويعتبرونه هذياناً، يتعامل مع المواطنين العرب وكأنهم حجارة شطرنج، يمكن تحريكهم واستبدالهم، فهو طرح مرفوض، فكانت إسرائيل تخشى في السابق من قومية عرب الداخل، وأصبحت اليوم تخشى من جنسيتهم، فهذه البلاد بلادهم وأرضهم وبيتهم القومي، فإذا أرادت إسرائيل إعادة رسم خارطة الحدود بينها وبين الفلسطينيين عليها العودة إلى خطوط التقسيم عام 1947، لكن أكثر ما تخشاه إسرائيل، وهدف "ليبرمان" من اقتراحه، هو تعديل الميزان الديمغرافي، فبعد أن كان عدد المواطنين العرب في أعقاب حرب 1948، (160) ألف مواطن، أصبح عددهم اليوم يزيد عن 1.656 مليون، وحسب ما نشرته جريدة "يديعوت 2-1-2014"، فقد بلغ عدد الفلسطينيين في العالم (11.8) مليون نسمة، منهم (4.5) مليون نسمة في الضفة والقطاع، وكما ذكرنا أن عددهم 1.656 مليون داخل منطقة 1948، وحسب الدراسات الإحصائية، فإنه في عام 2016 سيتساوى عدد اليهود والعرب في فلسطين التاريخية، وفي عام 2020 سيتخطى عدد العرب عدد اليهود في فلسطين التاريخية، وسيصل عدد العرب إلى 7.2 مليون نسمة، مقابل 6.9 مليون يهودي، وهذا أكثر ما يخشاه الكيان الصهيوني، الذي قد يشكل انهيار هذا الكيان، وأن الطروحات والمطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة، تأتي في هذا الإطار، كما أن عملية تبادل السكان، تصب في إحباط نضال عرب الداخل القومي وصمودهم في مواجهة المخططات الصهيونية القريبة والبعيدة التي تهدد وجودهم فالمطلوب من السلطة الفلسطينية، أن تتخذ موقفاً صلباً وواضحاً للتصدي لمخطط "ليبرمان" الذي يسعى لتكريس يهودية الدولة.