منذ قيام دولة الاحتلال اسرائيل ،واغتصابها لفلسطين عام 1948 ،واعتراف الأمم المتحدة الظالم بها ،بفعل حكومة الانتداب البريطاني والغرب الاستعماري ،وبتشجيع ودعم الولايات المتحدة الامريكية التي صادقت على وجود جسم غريب يميني رجعي تابع للسياسة الامبريالية والنظام الرأسمالي العالمي في المنطقة العربية ،مهمته الأساس منع تطورها وإجهاض ثوراتها ،ومحاصرتها لضمان مصالحها النفطية والعسكرية. ومنذ نشأتها وضعت اسرائيل نفسها في خدمة المشروع الاستعماري في المنطقة ،والتابع والملحق بكل جدارة حتى حرب حزيران عام 1967،واحتلالها للأراضي العربية والفلسطينية ،وصولا للمانع المائي قناة السويس ،ومرتفعات الجولان السورية . وبعد نجاحها العسكري والمعلوماتي ،تحولت من تابع يتلقى الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والمالي منذ قيامها عام 1948 الى شريك مضمون تنفذ سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي تبنتها ورعتها ،وأغدقت بوفرة في تسمينها ،وبهذا انتقل دورها وفعلها على الارض ،كما ينتقل الخادم من التبعية للسيد الى شريك له ،بعد أن اثبتت قدرتها على الحفاظ على المصالح الرئيسة للسيد في منطقة الشرق الاوسط ،مما ولد القناعة لدى منظريها السياسيين والعسكريين ،أن من حق اسرائيل الشريك المتفاني في خدمة السيد الأمريكي ان يحصل على نصيبه في تجارة العدوان والحروب على الشعوب العربية .
وباعتراف كافة المحللين السياسيين والعسكريين في الغرب الاستعماري ،فقد حصلت اسرائيل على شهادة الجودة، كأفضل شريك استعماري في منطقة الشرق الاوسط ،مما دفع الولايات المتحدة والغرب الاستعماري ،لتقديم احدث أنواع السلاح ،وأكثرها تطورا ودموية ومن ضمنها اسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا بما فيها السلاح النووي لتبقى القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة ،ولضمان وحماية أمنها . وبدعم من قوى الاستعمار القديم والحديث ،فقد خاضت اسرائيل حروبا بالوكالة عنها ،وتحولت لبلطجي في المنطقة ،وأداة تخويف لشعوبها ،وفرضت التوتر عليها ،ومنع شعوب المنطقة من الاستقرار ،ولم تسلم دولة عربية من بلطجتها وعدوانها سواء في فلسطين ،ومصر ،والعراق وسوريا ولبنان ،ولا زالت تمارس نفس سياسة العصابات الصهيونية الارهابية ما قبل الاعتراف الظالم بها ،ومستمرة في احتلالها للأراضي الفلسطينية ،وفي سلب الارض ،وإقامة المستوطنات ،وجدار الفصل العنصري وتهويد القدس ... الخ دون ان تلقى معارضة جدية من الدول الاوربية ،وان وجدت فهي ادانة خجولة لا ترقى لمستوى الفعل وحماية السلم الدولي ،على الرغم من موقف المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والقانونية ،وبعض المؤسسات الأكاديمية ،باعتبار ان احتلال ارض ،والاستيطان غير شرعيين ،والنقد لممارسات جنود الاحتلال الاسرائيلي ،وسفالة مستوطنيها ،وتلوم الحكومة الاسرائيلية التي تمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ،وعودة اللاجئين لديارهم طبقا للقرار 194 ،وتقوم الولايات المتحدة بتعطيلها سواء في مجلس الأمن باستخدام حق النقض الفيتو ،او في الجمعية العامة للأمم المتحدة ،وحتى في بعض المنظمات الدولية . والسؤال الذي يحتاج لإجابة ،لماذا لم تنجح الولايات المتحدة الامريكية منذ اتفاقية اوسلو ومرور أكثر من عشرين عاما على المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ،وتحت رعايتها ولوحدها في اقناع ،او تليين ،او الضغط ،او اجبارها على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ؟؟ إلا اذا كانت تسعى لإبقاء بؤرة التوتر مشتعلة لغاية في نفس يعقوب ،أو عجزها عن القيام بدور الوسيط النزيه ،أو اذا كانت تبادلية المصالح هي التي تحكم العلاقة بينهما ،وترفض اسرائيل التعامل معها فقط كما كانت في بداية النشأة التابع والملحق لها.
ان الحركة النشطة لوزير الخارجية الامريكية جون كيري في المنطقة ،تأتي في أوج تصريحات المسئولين الاسرائيليين بأن لا شريك فلسطيني ،ولا تسوية مع الفلسطينيين من دون ابعاد عرب من الداخل ،وإصرارهم على اخراج ملفات الحل النهائي الاستيطان والقدس واللاجئين والحدود والمياه من دائرة النقاش ،ومطالبة الفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة ،وبتبادل الاراضي لإبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى تحت السيادة الاسرائيلية ،وضم الاغوار ... الخ كما تأتي نتاج ومحصلة مجموعة من المتغيرات الاقليمية والدولية ،وفي القلب منها فشل السياسة الامريكية في المنطقة ،وخسارة رهانها ودعمها غير المحدود لحركة الاخوان
المسلمين ،بعد ثورة الجماهير المصرية وخصوصا ثورتي 30 يونيه ،3 يوليو 2013 وتراجعها النسبي عن هذا الدعم ،في انتظار ما يسفر عنه الاستفتاء حول الدستور المصري الجديد ،ومدى قدرة المصريين على تنفيذ خارطة المستقبل التي انتهجتها الحكومة المصرية الجديدة ،كما شكل فشلها في اجماع دولي في الحرب العدوانية على الدولة والشعب السوري ،جراء تماسك الجيش العربي السوري ،وقدرة النظام على خلق تحالفات اقليمية ودولية تدين التدخل الاجنبي في الصراع الداخلي ،وتعمل على حل الأزمة السورية سياسيا ،خصوصا بعد نجاح الدبلوماسية الروسية بلجم دعاة الحرب من الغرب الاستعماري ،والتوابع العربية والإسلامية كالسعودية وقطر وتركيا ،بالإضافة الى إسرائيل التي اصيبت بالهستيريا لنجاح الدبلوماسية الروسية ،وصمود الشعب السوري وجيشه لكل أشكال المرتزقة والقتلة من انصار القاعدة وداعش والنصرة ،ومواجهة الارهاب والفكر التكفيري ... الخ كما نشطت الدبلوماسية الروسية ووزير خارجيتها سيرغي لافروف بالتوافق مع الدول 5+1 بالتفاهم ،وحل مشكلة الملف الايراني والبدء برفع العقوبات التدريجية عن طهران الذي شكل حالة من حالات التوتر في منطقة الخليج والتي اغاظت العديد من الدول وفي المقدمة منها اسرائيل والسعودية وقطر ،كما أن الصراع بين الادارة الامريكية ومجلس الشيوخ حول العديد من القضايا الداخلية ،وتفاقم أزمتها الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الامريكي ،وأزمات دول منطقة اليورو ،وبداية عودة الدب الروسي الى الواجهة بعد انكفاء مدة تزيد عن 10 سنوات ،وعودته الى الساحة الدولية وخصوصا الشرق الاوسط ،وأعادت الاعتبار لقوتها الاقتصادية والعسكرية ،وتقدم الصين كقوة اقتصادية منافسة للاقتصاد الامريكي ،توحي كل الدلائل بأنها تقترب من أن تكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم ،كل هذه الاسباب وأخرى ،سرعت باعتراف الولايات المتحدة الامريكية ضمنيا ،بأنها لم تعد القوة الوحيدة التي تتربع على العالم ،بل تحول العالم الى متعدد الأقطاب .
ولهذا فان جولات كيري المتتالية في المنطقة ليست بهدف انهاء الصراع ،بل لتبريده ،والبحث عن طرق التفافية كاتفاق طار ،يؤول لحل انفرادي ومؤقت يرضي حليفته الاستراتيجية اسرائيل ،ويضمن أمنها بعد المتغيرات الإقليمية وصمود مصر وسوريا وإيران لسنوات طويلة في مواجهة السياسة الامريكية ، لا يلبي الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني ،ويستجيب لطروحات ومواقف حكومة التطرف الاسرائيلية ،على طريق تهدئة البركان القادم في فلسطين ،وحتى يمنح الادارة الامريكية وقتا لإعادة تقييم ما يجري في المنطقة ،ورسم سياستها الجديدة والتفرغ للملفات الأخطر التي تهدد مصالحها وخصوصا في منطقة الخليج العربي ،فالبرجماتية الامريكية قادرة على التلون ،والتراجع التدريجي المؤقت لتعاود نشاطها في المنطقة ،وحتى الآن لم تسلم بهزيمتها بعد .
ان اصرار حكومة نينياهو على الاعتراف بيهودية الدولة ما هي إلا خداع بصر وعقل لمنع التقدم نحو القضايا التي تشكل جوهر الصراع في المنطقة ،ولن تنجح الولايات المتحدة الامريكية في الضغط على حكومة التطرف اليميني والعنصرية التوراتية ( حكومة نيتنياهو – ليبرمان ) ،لأن اسرائيل لم تعد تابعا كما يتوهم البعض ،بل شريكا يطالب بحصته ويسعى لتقاسم الولايات المتحدة الامريكية الوظيفي في المنطقة . وإذا كان الحديث يدور حول لغة المصالح التي تحكم العالم ،فلا زالت مصلحة الولايات المتحدة الامريكية في دعم مطالب دولة الاحتلال لا بالضغط عليها ،بل على العرب الذين حتى الان لم يلتفتوا بجدية لمصالحهم ،بل استمروا خداما وتابعين للإدارة الامريكية وسياستها في المنطقة .
ان المراهنة على السيد الامريكي تعكس عجز الأنظمة العربية ،وعدم استعدادها لاكتشاف القوة الكامنة ،والمخزون الهائل لشعوبها ،فالطاقة البشرية والمادية التي تمتلكها في غياب الارادة السياسية تبقى صفرا ،وخاسر كل من يضع اوراق الحل بيد السيد الامريكي ،ومقولة ان اوراق الحل 99% بيد امريكا هو سراب فالحل بيد الشعوب العربية ،في استنهاض الطاقات المتفجرة ،والتوقف عن تقديم الخدمات المجانية للراعي الامريكي ،فالسياسة الامريكية لا زالت كما هي منذ ما قبل قيام دولة الاحتلال داعمة لها ،ووزير الخارجية جون كيري لا يتحرك إلا ضمن الحدود التي رسمتها الادارة الأمريكية والمجمع العسكري المالي الامريكي .
ومع غياب الشفافية للوفد الفلسطيني المفاوض وتضارب التصريحات ،فان لقاء الرئيس ابو مازن الأخير مع المقدسيين ،جاء ليؤكد على التمسك بالثوابت الوطنية وفي المقدمة منها ،رفض الاعتراف بيهودية الدولة ،والتمسك بالقدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة ،وعدم السماح بوجود أي جندي
اسرائيلي على اراضيها ،وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين طبقا للقرار الأممي 194،مما يتطلب الدعم الكامل من كل القوى الوطنية والإسلامية وكافة مكونات المجتمع المدني ،والفعاليات الشعبية لتحصينه من الضغوط الاسرائيلية والأمريكية والرجعية العربية ،كما يحتاج لمجموعة من الخطوات العاجلة لاستعادة الوحدة الوطنية على طريق تحقيق المصالحة ،المدخل الأول لإعادة الاعتبار لنضال شعبنا التحرري ،ولوضع استراتيجية سياسية وكفاحية لمواجهة العدوان والاحتلال.