التفرغ ليس العنوان الصحيح

بقلم: أسامه الفرا

قرار الحكومة الفلسطينية المتعلق بالتفرغ الوظيفي للأطباء، والذي بموجبه يمنع على الطبيب العامل في القطاع الصحي الحكومي الجمع بين وظيفته الحكومية وعمل خاص، وبالتالي لا يحق للطبيب العامل في القطاع الحكومي العمل في عيادة خاصة، ويأتي قرار الحكومة استناداً على قانون الخدمة المدنية الذي يحظر الجمع بين الوظيفة العامة وأي وظيفة أو عمل آخر دون الحصول على أذن، كان من المفترض أن تبدأ الحكومة بتطبيق قرارها مطلع العام الحالي، ولتخفيف رد فعل الأطباء على قرارها هذا وعدت الحكومة بتطبيق نظام الحوافز بالترافق مع تطبيق قرار التفرغ، وفي ظل اعتراض الأطباء اتفقت الحكومة مع نقابة الأطباء على إرجاء تطبيق القرار إلى مطلع شهر آذار المقبل، على أن تتضمن هذه المرحلة حواراً معمقاً بينهما للتوصل لتفاهيم فيما يتعلق بنظام الحوافز، الحكومة ترى في أن قرار التفرغ سيعمل على تحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطن وفي الوقت ذاته يوفر العديد من فرص العمل للأطباء الجدد.

دوماً ما تحتل الخدمات التعليمية والصحية الأهمية عند إعداد ميزنية الدول، ضمن ميزانية السلطة الفلسطينية للعام الماضي جاءت ميزانية وزارة الصحة في المرتبة الرابعة، بعد وزارة الداخلية والأمن الوطني والادارة المالية المركزية ووزارة التربية والتعليم، وكان نصيبها 11% من الميزانية العامة" 1.4 مليار شيكل"، وكما هو الحال مع معظم بنود ميزانية السلطة فإن فاتورة الرواتب عادة ما تستقطع نصف الموازنة إن لم يكن أكثر، فيما النصف الآخر يتبقى للنفقات التشغيلية بالأساس، والفتات يذهب إلى الجانب التطويري، ومن المتوقع ألا تختلف الأرقام كثيرا هذا العام، في ظل هذه الأرقام المتواضعة جداً وواقع الخدمات الصحية التي تحتاج للكثير للنهوض بها، هل يمكن لقرار التفرغ أن يعمل على تحسين هذه الخدمات؟، وهل حقاً يمكن له أن يوفر المزيد من فرص العمل؟.

تطبيق قانون الخدمة المدنية المتعلق بالتفرغ على كافة الوظائف حتمية لا بد منها، بما في ذلك للعاملين في القطاع الصحي، فلا يوجد ما يعيق تطبيقه على الصيادلة وأطباء الأسنان واطباء البيطرة والعاملين في مجال التمريض، لكن اذا ما تعلق الأمر بالأطباء البشريين فهذا يحتاج إلى شيء من التفكير الجدي، فالطبيب البشري وبخاصة الذي يتمتع بكفاءة يعتمد بشكل أساسي على تحسين دخله من خلال عيادته الخاصة، ولا أعتقد أن نظام الحوافز الذي تقترحه الحكومة يمكن له أن يعوض الطبيب ويقنعه باغلاق عيادته الخاصة، وبالتالي قد يدفع قرار التفرغ الكفاءات البشرية على هجرة المؤسسات الصحية الحكومية، وهذا بالمؤكد سينعكس سلباً على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطن، وفي الوقت ذاته سيفقد الأطباء الجدد فرصة الاستفادة من خبرات هؤلاء الأطباء، وإن كان المطلوب من التفرغ هو دفع الطبيب للاهتمام أكبر بالمرضى في المؤسسات الصحية الحكومية، فهنالك العديد من الضوابط الإدارية التي يمكن لها أن تحقق ذلك، وفيما يتعلق بقدرة القرار على توفير فرص عمل جديدة، فما ستتحمله خزينة السلطة من حوافز يمكن له أن يغطي العديد من فرص العمل لأطباء جدد.

أعتقد كان على الحكومة أن تفتح حواراً معمقاً مع العاملين والمهتمين بالحقل الصحي قبل أن تصدر قرارها بالتفرغ، ويتم كذلك الاسترشاد بتجارب الدول الأخرى التي حققت طفرة في جودة الخدمة الصحية المقدمة لمواطنيها، كان من الممكن لوزارة الصحة أن تطرق أبواباً أخرى لتطوير الخدمات الصحية، يقف في مقدمتها العلاج بالخارج والذي هو محل سؤال كبير نظراً لما يشكله من عبيء مالي على خزينة السلطة، ويمكن أن تستثمر هذه الأموال في تطوير القطاع الصحي، في الوقت الذي نتطلع لرفد القطاع الصحي بكفاءات بشرية في التخصصات المختلفة، أعتقد أن قرار الحكومة بالتفرغ سيعمل على "تطفيش" الموجود منها، يبقى السؤال هل دوماً علينا أن نقرر ثم نناقش؟، ألا يشكل ذلك عنواناً للتخبط والتفرد؟.