"الدول العربية وفي مقدمتها فلسطين، ضمن النظام الإقليمي العربي، ترزح منذ عقود تحت نير اختراق على مستوى السلطة الحاكمة، وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى النخبة أيضا ضمن تفاعلاتها مع القوى الكبرى والإقليمية الأخرى، وذلك بتطبيق نظرية "جيمس روزنيو" للأنظمة الإقليمية المخترقة" ويعتبر نظام الشرق الأوسط أكثر النظم اختراقا".
منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وهزيمة الجيوش العربية التي أرسلها حكام الدول العربية المجاورة اضطراراً لا اختياراً ، نظراً للضغوط الشعبية المتزايدة والمحرجة المطالبة بمد يد النصرة والدعم للعرب الفلسطينيين آنذاك، و"إسرائيل" تعمل ضد إقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية سواء أعلنت عن ذلك صراحة، ام عمل قادتها كالعادة في السر، ضمن خيوط المؤامرات التي دأبت على نسجها والتي باتت يوما بعد يوم أكثر انكشافا. لا غرو بان " إسرائيل" تراقب باهتمام بالغ ما يجري في الوطن العربي وخاصة دول الجوار، لأنها تعتقد ان ما يحدث في تلك الدول سيكون له انعكاسات مباشرة قد تمثل تهديد للأمن القومي الإسرائيلي وعلى فكرة مصير ووجود " إسرائيل كدولة، وهي التي تعتبر من أكثر الدول خوضا للحروب منذ 1948، وتسكنها هواجس الانتقام الدائمة من دول الجوار كونها لا تتورع في التردد كل فترة زمنية قصيرة في الاعتداء على الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني وان كانت الشعوب الأخرى لم تسلم من هذه الاعتداءات ومنها الشعب المصري في عدة حروب منها: حرب 1948 و العدوان الثلاثي على مصر 1956 وحرب 1967 وما تلاها من حرب استنزاف، ودفع المصريون فيها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وكان هدف السيطرة على مصر ومضائقها ومياهها وموقعها الاستراتيجي الفريد مقدمة لإقامة المشروع الصهيوني الكبير الذي بدأ يتراجع جغرافيا وجيوسياسيا بسبب ازدياد الوعي واستمرار رفض الشعوب لتلك المشاريع المدعومة من الغرب.
وضمن إستراتيجية العداء الدائم للدول العربية وشعوبها، وانكشاف اكبر للنظام العربي الإقليمي، قامت " إسرائيل" بعدة اعتداءات لتدمير مشاريع نهضوية عربية قصد ضمان التفوق على العرب، فقامت بتدمير مفاعل العراق عام 1981 ، وضرب مفاعل سوريا عام 2007، ومجمع اليرموك للصناعات العسكرية في الخرطوم عام 2012، وذلك كله بسبب تأكيد وضمان استمرار التفوق النوعي والكمي في القطاع العسكري.
وتضع " إسرائيل نصب أعينها عنصرين هامين يمثلا خطراً حقيقيا عليها يتمثلا في التالي:
1-عنصر المسار الديمقراطي: حيث تسمح مساحة الحريات الممنوحة للشعوب بان تعبر بواقعية عن طموحاتها ورغباتها ومطالبها، مما ينعكس إيجابا على القضية الفلسطينية، وفواعلها، ويحقق تقدم كبير على صعيد انجاز الحقوق الفلسطينية ضمن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحيث تتراجع الإرادة السياسية التي دأب على تبنيها نخبة سياسية كلاسيكية عربية باتت دائرة من دوائر السياسة الخارجية الإسرائيلية والأمريكية نظرا لعلاقة التبعية التي توطدت عبر العقود الماضية مع الغرب بشكل عام. ويعتبر انعتاق تلك العلاقة وبروز حريات أوسع ورأي عام شعبي ضاغط وفاعل ومؤثر إيذانا بخروج فواعل رسمية كانت عبئ على القضية الفلسطينية، بل عملت ضد المصلحة الوطنية لشعوبها ولم تعمل للقضية الفلسطينية الا شعاراتيا فقط. وينتج عن المسار الديمقراطي الناجح لأي نظام عربي عدة نقاط هامة تصب في مصلحة القضية الفلسطينية منها:
أ- مشاركة جميع الفئات الوطنية بما فيها التيارات الإسلامية:
ان من شأن استقرار المسار الديمقراطي واعتماد مساحات من الحرية اكبر وأرحب أن يسمح لدخول جميع فئات المجتمع الوطنية بما فيها التيارات الإسلامية لتكون عامل مشارك في صنع القرار ومراقب ومصوب لمسار السياسة الخارجية بعد ان كانت تراقب من بعيد ولا تشارك، مما يدفع بعجلة التقدم في جميع المناحي داخل الدولة، حيث تلك التيارات الإسلامية، تلك التيارات تؤمن بضرورة الانفكاك من علاقة التبعية للغرب ومراجعة الاتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي ، وترى تلك التيارات من خلال أدبياتها انه وبعد تحقيق مستوى اقتصادي جيد واستقرار سياسي نسبي يمكن تحقيق ذلك على المَديين المتوسط والبعيد، وليس فور استلام الحكم- لظروف متعلقة بعقود السنوات من علاقة الربط- كما تطالب بعض الأصوات التي غرضها التشويه أكثر من المشاركة في تصويب المسار.
ب- تعزيز مشاركة عربية أوسع وتوحيد الإرادات الشعبية:
من شأن ممارسة عملية ديمقراطية سليمة، تكون للشعوب فيها الكلمة الأولى، ان يتم توحيد بعض الجهود العربية ، وان تتقارب الشعوب وتزول بعض الحواجز المصطنعة التي تعتبر من مخلفات اتفاقية تقسيم سايكس بيكو، فالشعوب العربية اقرب الى بعضها البعض من كل شعب بنظامه الذي يحكمه. ولو أتيحت الفرصة للشعوب ضمن مسار ديمقراطي لأصبح النظام الإقليمي العربي يملك من الإرادة السياسية ما يعزز نقاط القوة لديه و المستباحة أمريكيا وإسرائيليا لحتى وقتنا هذا. وعلى ذلك تعتبر " إسرائيل" عنصر الديمقراطية خطرا حقيقيا على وجودها ولهذا ناصبت " الربيع العربي" العداء منذ اندلاع أول شرارة في دوله.
2-عنصر التكنولوجيا العسكرية:
أثبتت عمليات التقدم في التكنولوجيا العسكرية تحديدا في فلسطين وبعض الدول العربية بأنها تمثل خطرا حقيقيا داهما على " إسرائيل، وقد وحاولت الأخيرة التصدي و وقف وتدمير البرنامج التسلحي لعناصر المقاومة حيث أوضحت هذه المقاومة أنها قادرة على النيل من إسرائيل على أكثر من صعيد، حيث نجحت المقاومة في النيل من صورة إسرائيل القوية في عيون الغرب، وسببت انهيار في فكرة " إسرائيل التي لا تُهزم" من ناحية، ومن ناحية أخرى تضررت " إسرائيل" عندما اعتدت على بعض المناطق والمدن العربية، منها قطاع غزة عدة مرات في 2008 وفي 2012، وسببت تلك الاعتداءات تآكل في شرعية إسرائيل على المستوى الدولي. وقد حقق مؤخرا التوازن في الرعب مستوى بين المقاومة في فلسطين – تحديدا في غزة- والدولة الإسرائيلية غير مسبوق، أدى إلى تحقيق استقرار نسبي في المناطق الفلسطينية وزيادة في الثقة بالنفس لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ حرب 1948. وأدركت " إسرائيل" ان شن حربا بدون سبب وجيه لن يمر بسلام كما مر في زمن صبرا وشاتيلا ودير ياسين، حيث اعتداءات وحروب 2008- 2009 و2012 تركت ابلغ الضرر على دولة الكيان الإسرائيلي. وقد نقل الإعلام الجديد بشاشاته ومقالاته وأخباره العاجلة وعبر وسائل نقله المتطورة الصورة القاتمة لدولة الاحتلال للعالم الغربي الرسمي والشعبي الامر الذي بني عليه قرارات صدرت من الاتحاد الأوروبي ومنها: مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية التي تنتجها المستوطنات واعتبار الاستيطان غير شرعي وعدم دعم اي مشاريع علمية في مناطق المستوطنات ومقاطعة الأكاديميين في بريطانيا وأمريكا وغالبية دول أوروبا لإسرائيل بسبب ممارساتها وانتهاكاتها للشعب الفلسطينيين. وبدأت " إسرائيل" تفقد دعم حلفاؤها وذلك ليس حبا وتعاطفا مع الشعب الفلسطيني لقدر ما هو مواقف لكبح دولة تدعي الديمقراطية وترتكب أبشع الجرائم بحق شعب يطالب بحقوقه وباستقلاله. فلطالما استمدت " إسرائيل" قوتها من خلال علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة وأوروبا وما وصلت إليه من تفوق عسكري.
انكشاف النظام الإقليمي العربي رصيد إضافي لـ " إسرائيل":
إسرائيليا ، لقد كان مقدار الخوف من الثورات العربية التي هبت رياحها – ولم تغتنم للنهاية بسبب مفاعيل الدولة العميقة- كبيرا، وأدرك المسئولين الإسرائيليون ان الخطر سيكون على المَديين المتوسط والبعيد من تلك الثورات وقد عبر عن كبار قادة الحكومة الإسرائيلية، وقد كان وجود أنظمة عربية خليجية تشتري السلاح الأمريكي والروسي بمليارات الدولارات مصلحة تتناغم والمصلحة الإسرائيلية لان تلك الأسلحة لا تستخدم ضد العدو التقليدي – إسرائيل- ولكن ضد شعوبها –كما حصل ويحصل في سوريا- فوجود أنظمة مستبدة فاسدة هو رصيد إضافي لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر الديمقراطية والوحدة السياسية هي من الأهداف السامية التي يجب أن يعمل على تحقيقها أي نظام عربي، وقد تحدث " دافييد بن جوريون" في مذكراته، حيث قال عام 1949 " إن العرب يسعون لتحقيق الديمقراطية والوحدة السياسية ولكنهم يغفلون عنصر العوامل الداخلية وعامل الزمن" وحذر في نفس السياق قائلا " يا ولنا.. يا ويلنا إذا لم نعرف استغلال هذا الزمن لنكبر ولنحتل مكانة في العالم قبل أن يحقق العرب هدفيهما".