يقترب الوقت الذي أحس فيه بتلك اللحظات المؤلمة التي تلقيت فيها
قبل عام من الآن بالتمام والكمال نبأ وفاة المرحوم بإذن الله " الاديب يسرى راغب شراب"
لم يكن في يوم من أيام الحياة ليعيد عبارات المحبة بعد فقدان ساعة رحيله عن دنيا فقدت
فيها لمسات الحنان عن أزقة الشوارع الضائعة، وسط زحام الخطر على أطراف البشر.
إن الشوق لرؤيته يزيد يوماً بعد يوم، بل قد دقت ساعة الحقيقة لتزيد من معاناة ذكراه
وبعده عن كل من يحب ألماً، زاد فيً على مدار الدقائق، إرتبطت معها نبضات قلبي،
وتسارعت في الخفقان إلى درجة أني أحسست بأن قلبي كاد يخرج من موضعه إلى
غير العودة بي وبه بعيداً عن سلبيات ما يولد كل يوم من تناقض فينا نحن البشر،
رغم أني قد تولد لدي شعور اليائس الفقير بأن غياب شخص غالي على قلوبنا قد
أفقدني رونق وتفاعل مع البشر، ففقدان الحب والخير من هذا الزمان يعني
فقدان الأمل إلى أبعد مما هو موجود .
رحل يسرى راغب شراب أبا راغب الأديب الفلسطينى فى بداية العام..
رحل ابو راغب دون أن نلتقي..
رحل دون حتى أن يعلم أننى كنت فى طريقى إلى زيارته بعد أيام من العام الجديد..
رحل القلب الذى ظل أعواماً يساندنى بعطف أخ ومشاعر أديب بعد انسحابي من ذاك المكان الذى جمعنا العمل فيه ذات يوم..
ظننت وقتها أنه سينساني.. لكن قلب ابوراغب الكبير بحث عني وحادثني وخفف عني ذاك الشعور العميق الذي اجتاحني بالظلم والغدر يوم تركت مكاني فى صمت وهدوء!
اعترف أنني سأبقى زمناً ابكي بقائي دون صوته الحاني وكلماته الصادقة
رحل ابا راغب..
وعندما أعدت حقيبة السفر إلى مكانها نظرت من نافذتي الصغيرة إلى سماء العام الجديد.. ورأيت روح يسرى تتحرر من جسد هزمته الآلام.. رأيتها تبتسم فى صفاء!
من كان له قلب ابا راغب تبقى القلوب تذكره وإن طالت أعوام الفراق وضاع الأمل في اللقاء!
هناك قلوب تحيا وتموت دون أن تحرك فينا ساكناً!
هناك قلوب تحيا وأبداً لا تموت
ماذا أبقيت لي يا أبا راغب : كلماتٌ شاحبةٌ ، و حروفٌ مبعثرة و جملٌ مكسّرةٌ ، و حزنٌ قاتم ،، و ألمٌ جاثم ، الحزن أجبرني على قول هذا ، و إلا فأملي مشرقٌ مثل وجهك الباسم و طلعتك النيّرة ، و روحك الطاهرة في أن يجمعني الله بك في حلل النور على منابر النور .
إيهٍ يا ابا راغب لو رأيتني و أنا اتصفّح وجهك حين التقيتك أول مرة فأقرأ فيه ملامح الصدق و الإخلاص و الوفاء ، كنت أفكر يومها كيف أفوز بصداقتك ، و لكن لم يخطر ببالي أبداً كم سأعاني في غيابك .
بقدر ما أنا حزين على فراقك أيها الغالي بقدر ما أنا راجٍ أن تكون وفقت لأحسن خاتمة ، و لو كنت سأتمنى لك ميتةً ما وجدت لك أحسن من الميتة التي فزت بها .
لست شاعراً فأرثيك و لا نائحاً فأبكيك ، و لكني أملك قلبا يحبك حتى الثمالة ، و لسانا سيظل يذكرك بالدعاء و الثناء سائر الأزمان .
لا تقلق يا ابا راغب فدفتر الحب الذي كتبناه سوياً لم يجف مداده بعد و لن يجف ، و منشور الوفاء الذي سطرناه سيبقى في صميم الفؤاد و أحداق العيون ، و عهد الأخوة الذي قطعناه يوم رضيتك أخاً و رضيتني لن أنكثه أبداً .
أَتذَكَر حين لقيتك آخر مرة كم كانت ابتسامتك مشرقة و عيناك تنظر إلي كالمودعة و كأني بها تقول : الفراق هذه المرة أطول مما تعتقد ، لازالت كلماتك الواثقة تتردد في أذني لم أكن أعرف أنها آخر الكلمات التي أسمعها منك .
ماذا ؟ لعلك عاتب عليّ يا ابا راغب لأني لم أذرف من الدموع ما يليق بمعزتك في فؤادي و قدرك في قلبي ، عذراً يا ابا راغب فالهم الذي حملناه سوياً و بذلت من أجله مهجتك ، أنساني الدموع ،و لكنه علمني معنى للحياة من أجل أعظم غاية و هي نصرة الحق و تبليغه للعالمين
.. " أبا راغب"
تعجز الألسن عن الكلام, فلا نملك سوى الصمت خشوعاً لمشيئة الله عزّ وجل.
فلقد ابتلانا بمصابنا هذا فلا نملك سوى القول: قدّر الله وما شاء فعل .. فماذا
نقول لغياب الفرح في قلوبنا . جميعنا يفتقدك .. صغيرنا وكبيرنا .. فلقد شاءت
مشيئته عزّ وجل لأن تمر سنة كاملة على رحيلك ها قد مرت سنه على رحيلك..
لا زلنا نفتقدك.. نبحث عنك حولنا فلا نجدك.. لكن نراك بذاكرتنا.. فأنت محفور
فيها.. فلقد تركت أثراً طيباً فيها وقدوة حسنة نفتخر بما حضيت به .. لكن
أعيننا لا تراك.. لقد افتقدناك كثيرا.. افتقدنا الأمل الذي كان ينير لنا طريقنا ..
افتقدنا شمعة كانت تنير دربنا وتنير درب محبيك من حولنا .. افتقدنا إنسانا
تعجز الكلمات عن وصفه .. لقد رحلت وتركتنا.. خرجت روحك وأخذت
أرواحنا معها.. وتركتنا جَسَداً بلا روح ... فحياتنا الآن بلا معنى ....
رحمك الله, وعزاؤنا فيك أخلاقك وسمعتك العطرة التي تفوح أينما ذهبنا.
فإلى جنان الخلد يا " أبا راغب "
. أسأل الله أن يقبلك في الصديقين المهديين و أن يسكنك الدرجات العلى مع النبيين