برغم سعادة الأولاد العارمة لرؤيتهما ،ووسط التصفيق الحار لحظة قدومهما بعد شوق وانتظار وبعد إلحاح شديد إلا أني قد أحسست بفرحة منقوصة وممزوجة بمسحة حزن ..لا أعرف ما الذي حدث لي حينها هل لأني من المؤيدين للحرية والأحرار ،هل لأني أشعر بمرارة المعذبين في الأرض ،أم لأني أمقت السجن ،والسجان .. لا أعرف بالضبط لكن ..تلك كانت مشاعري ،المهم أني لما نظرت إليهما لمحت في عينيهما عتاب كبير،ولوم دفين ،وكأنهما يوبخاني بقولهما الصامت لي كما قال يوليوس قيصر ..عندما هجم عليه شباب روما فأردوه قتيلا فرفع بروتوس سيفه فورا قائلا لقد قتل القيصر فرد عليه يوليوس قيصر .. حتى أنت يا بروتوس ..؟!!قلت في قرارة نفسي وبصوت خفي لكني لست بروتوس ،ولا أرضى أن أكون مثله لا تظلماني ..صحيح أني أعشق الطبيعة الخلابة بكل ما فيها من انهار وبحيرات وأشجار ملتفة ..وأعشق البيوت المبنية من الطين وسط القرى لكني لا أستمتع برؤية الحيوان من وراء القضبان ، أو الطير الحبيس خلف الأقفاص ..!! وفجأة وجدتني اقترب منهما ،وتطلعت إليهما وكلي خجل أعرف انه منذ بداية حياة الإنسان حتى في الجاهلية العربية لم يستقر الإنسان حيث كانت ظاهرة التنقل والعيش بحرية فكانت القبائل لا تبقى في مكان واحد إلا ريثما تنتقل من مكان إلى آخر ومن هنا وجدت ذكريات الأطلال ،ومن هنا كان العشاق أو الشعراء العشاق يقفون طويلا على آثار الديار ،أعرف تماما أنكما تعشقان الحرية والتنقل كما البشر ،ولما وجدتني إمامهما قلت : سامحاني فأنا لم أقصد ما حل بكما ،لكن قدركما أنكما عصفورين جميلين في قفص ..!!