في بيتنا إسرائيلي

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

يجب علينا أن نعترف ببساطةٍ ودون مكابرة، وأن نقر بالأمر الواقع، وألا تأخذنا العزة بالإثم، وألا ندعي الطهر ولا العفاف، أو نتظاهر بأننا محصنين ومحميين، وألا ننكر حقائق الأشياء التي تظهر لنا، ويعلن عنها أحياناً عدونا، ويعرفها العامة منا قبل الخاصة.
بأن الإسرائيليين يجوبون بلادنا العربية، ويقيمون في عواصمنا، ويشاركوننا التجارة والعمل، ويعملون معنا في الصحافة والإعلام، وفي النفط والغاز، وفي البنوك والمصارف والبورصات، وفي الزراعة والصناعة، وفي السياحة والفندقة، وفي الاتصالات والمواصلات.
وأنهم يشغلون فنادقنا، ويأكلون في مطاعمنا، ويسهرون معنا، ويركبون في سياراتنا، ويلتقطون الصور التذكارية مع أهلنا، ويقوم على خدمتهم رجالنا ونساؤنا، وتسهل مكاتبنا ووكالاتنا أعمالهم ومهامهم.
كما يُعاقب كل شاكٍ فيهم، أو ظانٍ بجنسيتهم، أو من يفكر في الاستقصاء عنهم، أو التعرف على حقيقة هويتهم، أو من يعترض على سلوكهم، أو لا يعجبه تصرفاتهم، أو يعيب عليهم لباسهم العاري أو الفاضح، أو سلوكهم المعيب والمشين.
في الوقت الذي يعفون فيه من المسؤولية، ولا يحاسبون على تصارفاتهم، ولا يعاقبون على أفعالهم، فلا يسجنون ولا يحاكمون، ولا يطردون ولا يمنعون، بحجة أنهم أجانب، ولهم سفاراتٌ تتابع شؤونهم، وتعارض المساس بهم، أو الإعتداء عليهم، كما أنها ترفض توقيفهم، ولا تسمح بمساءلتهم، ولا تقبل باستجوابهم في غياب محاميهم أو من يمثل سفارة بلادهم.
كما لا تسمح الأنظمة العربية لمواطنٍ أن يشك فيما يحملون من أجهزة، وفيما يستخدمون من معداتٍ، أو فيما يصورون ويوثقون ويسجلون، وحجة حكوماتنا وعذرهم، أنهم سواح، وأنهم ينشطون السياحة في البلاد، وينعشون الإقتصاد، ويشغلون البلد، ويعمرون الفنادق، ويكسبون شركات السفر والنقل أرباحاً كبيرة، وأن التضييق عليهم من شأنه أن يضر بسوق السياحة، ويصيبها بالكساد، إذ أن المساس بهم ينفرهم ويبعدهم، ويدفعهم للبحث عن بلادٍ أخرى، ومعالم سياحية في بلادٍ غير بلادهم.
وهو أمرٌ يضر باقتصاد البلاد، ويعرض المصالح الوطنية والقومية لأخطار حقيقية، فضلاً عن أنه يشوه سمعة البلاد، ويشوه صورتها لدى الرأي العام الدولي، ويظهرها بأنها رجعية متخلفة، وأنهما همجية متأخرة، وينفي عنها صفة التطور والمدنية والحداثة، وهو أمرٌ باتت تخجل منه الأنظمة العربية، وتخاف أن تتهم بأنها رجعية معقدة، تفرض شروطاً على زوارها، وتقيد سلوكهم، وتعترض على هيئاتهم وأشكالهم.
لسنا ضد السياحة، ولا نعترض على أن تقصدنا شعوب العالم، تستجم في بلادنا، وتتعرض لشمسنا، وتلوح بشرتها بسمرة أرضنا، ولا نرفض أن تنشط أسواقنا، وتزدهر تجارتنا، وينتعش اقتصادنا، ويعمل شبابنا، وتشغل فنادقنا، وتعمر مطاعمنا ومقاهينا.
كما أننا لسنا ضد إعجاب العالم بتاريخ بلادنا، وحضارة أوطاننا، وقدم وعظمة آثارنا، وصفاء سمائنا، وامتداد صحارينا، ويسرنا أن يتعرف العالم على قيم ديننا، وتعاليم إسلامنا، الحنيفية السمحة، وبساطة أهله، وصدق المنتمين إليه، فهذه دعوةٌ إلى الإسلام، أمرنا بها الله عز وجل، وحرضنا عليها رسوله الأكرم، وقد أسلم بفضلها مئات السائحين من النساء والرجال، ممن تعرفوا على ديننا من خلال سلوك أهله، صدق المنتمين والمنتسبين إليه.
لكن حكوماتنا العربية في سبيل السياحة، وتنشيط الإقتصاد، وتشغيل مرافق الدولة، والحرص على الصورة والسمعة والمظهر، تغمض عينيها عن الاختراقات الإسرائيلية لبلادنا، ومحاولات التسلل إلى مختلف مرافق الحياة فيها.
فالإسرائيليون هم من أكثر الفئات السياحية التي تزور بلادنا، وتجوب في أوطاننا، وتتعرف على تفاصيل حياتنا اليومية، وتركز على أسرارنا وخصوصياتنا، وتسلط الضوء على كل ما يهمهم من أمرنا، ذلك أن الإسرائيليين في أغلبهم يتمتعون بجنسياتٍ مزدوجة، أمريكية وفرنسية وبريطانية، وتشيكية وروسية وكندية، وغيرها من جنسيات الكون، ما يجعل دخولهم إلى بلادنا سهلٌ وميسر، بل إن الكثير منهم يدخلون إلى دولنا العربية دون الحاجة إلى تأشيرة دخولٍ مسبقة، إذ أن بعضهم ليس بحاجةٍ لها، وآخرين يحصلون عليها في المعابر الحدودية والمطارات، ما يجعل دخولهم إلى بلادنا سهل، فلا عقبات تعترضهم، ولا صعاب تواجههم، ولا مخاوف تمنعهم.
ولهذا فهم يتواجدون في بلادنا بكثرة، ويزورونها على مدى العام، ويأتون إليها فرادى وجماعات، وهم من كل الفئات العمرية والمهنية، إذ قد يأتون على هيئة أزواجٍ وإن لم يكونوا متزوجين، أو بصورة مجموعاتٍ سياحية مختلطة، ولكن الكثير منهم يأتي ضمن رؤية محددة، ومهمة معلومة، وتكليفٍ واضح، وإن كانوا يتظاهرون بالسياحة والتجوال، ولا يبدو عليهم غير الاستجمام ومظاهر الفرحة والاستمتاع.
ولكن عيونهم تركز على أشياء أخرى، وكاميراتهم تصور وتسجل ما يريدون، يستطلعون ويتعرفون ويراقبون، ويتابعون ويلاحقون وينفذون، بهمةٍ ونشاطٍ، وثقةٍ وخوفٍ ويقين، بأن أحداً لا يمنعهم، وأن أحداً لا يشك بهم أو يعترض عليهم، فالحكومات تحميهم، والسفارات تحصنهم، والسياسة تظللهم بأمنها واتفاقياتها، وفي حال اكتشاف أمرهم، وافتضاح مهمتهم، فإن أحداً لا يقوى على اعتقالهم، أو التدقيق في متاعهم، أو مصادرة ممتلكاتهم، وما قد جمعته آلاتهم ومعداتهم، من صورٍ ووثائق وبيانات.
لابد أن نعي ونفهم، أن المخابرات الإسرائيلية، وخاصة جهاز الموساد المعني بالأمن الخارجي للكيان الصهيوني، لا يتوقف ليومٍ واحد عن محاولات السعي لاختراق أمن الدول العربية كلها بلا استثناء، وله في بلادنا خلايا ومجموعات، وعنده أجهزة ومعدات، فهو يستغل كل السبل والإمكانات، ويسخر كل الطاقات والكفاءات، ويتسلل إلى كل البلاد والساحات، فلنحذر ولننتبه، ولنفتح عيوننا لحماية أمننا، وضمان مستقبلنا، وإلا فإننا سنصحو يوماً على حقيقة اختراق الكيان الصهيوني لعمقنا، وامتلاكه لكل شئٍ عنا، وسندرك حينها متأخرين أنه موجودٌ في بيوتنا، بلباسه أو متقمصاً بغيره، ومتخفياً بسواه، لكن بعد ألا أسرار تبقى، ولا خصوياتٍ تظل.

https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 21/1/2014