موسم الهجرة الى الجنوب

بقلم: أسامه الفرا

التقرير الذي اصدرته منظمتا "بتسيلم ومركز حقوق الفرد" المتعلق بالسياسة الاسرائيلية القائمة على عزل سكان قطاع غزة عن الضفة الغربية، والاجراءات التي فرضتها حكومة الاحتلال لتحديد التنقل بين شقي الوطن، تعيق سير الحياة العائلية لعشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية، وشكك التقرير بالدواعي الأمنية التي تتزرع بها اسرائيل في منع سكان قطاع غزة من الانتقال إلى الضفة الغربية، والحقيقية أن الأسباب الديمغرافية هي التي تقف خلف ذلك، وهذه الاجراءات لا تتنافي مع المواثيق الدولية التي تكفل للمواطن حرية التنقل، بل أنها أيضاً تتناقض مع مباديء اتفاق اوسلو التي تؤكد على أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة، ما جاء في التقرير هو غيض من فيض من الجوانب الانسانية البحتة المرتبطة بالأمر، والتي تقف خلف كل واحدة منها حكاية من حكايات التراجيديا الفلسطينية.

يتناول الأديب السوداني الطيب صالح في رائعته "موسم الهجرة إلى الشمال" قصة الشاب السوداني الذي انتقل من ريف السودان إلى لندن طلباً للعلم، وهنالك تزوج من بريطانية وبعد سنوات عدة عاد إلى ريفه بشخصية ملتبسة بين الثقافة الغربية والثقافة الشرقية التي تتجلى في الريف السوداني، فهل الالتباس انتقل إلينا في نظرتنا إلى بوابتي قطاع غزة الشمالية والجنوبية؟، الحديث اليوم يقتصر على بوابة قطاع غزة الجنوبية وموعد فتح معبر رفح واغلاقه وعدد المسافرين والقادمين من خلاله، لا أحد يتحدث عن بوابة القطاع الشمالية، رغم انها تفوق بكثير بوابته الجنوبية من حيث الأهمية للاعتبارات التالية:

أولاً: أن البوابة الشمالية لقطاع غزة هي الشريان الذي يصل بين شقي الوطن، ومن خلالها دون سواها نؤكد على الوحدة الجغرافيا لهما، ومن الخطأ بل الخطيئة أن نتوقف عن ملاحقة الاحتلال في اجراءاته المتعلقة بفصل سكان قطاع غزة عن الضفة الغربية.

ثانياً: تعالج البوابة الشمالية جملة من الاشكالات الانسانية المتعلقة بحالة التمزق التي أصابت العلائلات والأسر الفلسطينية، وإنقسام العديد من أفرادها بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

ثالثاً: إن المسافة التي تفصل قطاع غزة عن العاصمة الأردنية "عمان" هي نصف المسافة التي تفصل القطاع عن العاصمة المصرية "القاهرة"، وبالتالي فإنه من الأيسر في نواحي عدة لمواطني قطاع غزة الانتقال إلى العالم الخارجي عبر عمان.

رابعاً: الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد بأن السياسة الاستيطانية لحكومة الاحتلال والتي تلتهم الأراضي الفلسطينية تسعى من ورائها لخلق وقائع على الأرض تجهض بها امكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن مواجهة الاستيطان بالتنديد والشجب والاستنكار لا يوقف تمدد هذا السرطان في الجسم الفلسطيني، والمؤكد أن التوزيع الديمغرافي هو الذي تحرص عليه حكومة الاحتلال وهو ما يؤورقها في الوقت ذاته، ومن المفيد لنا أن نولي هذا البعد الأهمية المطلوبة، فنحن بمقدورنا أيضاً خلق وقائع على الأرض تحول دون التمدد الاستيطاني، من خلال تبني استيراتيجية واضحة قائمة على توسيع رقعة التواجد الفلسطيني وبخاصة في المناطق القريبة من المستوطنات، مؤكد أن الأمر ليس هيناً ولكن من خلاله نوسع دائرة المجابهة بدمج البعد الخاص بالبعد الوطني، وطالما أن حكومة الاحتلال لم تحترم مباديء اوسلو وفي مقدمتها الوحدة الجغرافية للضفة الغربية وقطاع غزة فليس مطلوب منا أن نواصل احترامنا لما جاء بها فيما يتعلق بالاراضي "c"، وهذا يتطلب تشجيع التواجد الفلسطيني فيها بما في ذلك لأبناء قطاع غزة.

ان النظر إلى بوابة القطاع الشمالية لا ينفي أهمية بوابته الجنوبية، بما تشكلة من تواصل مع عمقنا العربي من خلال الشقيقة الكبرى مصر، ولكن نحتاج أن نفك قليلاً الالتباس الذي أرادته حكومة الاحتلال في دفعنا للنظر دوماً لبوابتنا الجنوبية.