فلسطينيو سوريا والعودة للوراء قليلاً

بقلم: علي بدوان

 

تُقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين، الذين وفدوا إلى الأراضي العربية السورية إثر النكبة عام 1948 بحدود تسعين ألف لاجئ، دخلوا الأراضي السورية من المناطق الحدودية المشتركة بين فلسطين وسوريا البالغ طولها نحو (79) كيلو مترا من زاوية جبل الشيخ شمال هضبة الجولان حتى جنوب بحيرة طبريا. وبعضهم جاء عن طريق الأردن، والبعض الآخر عن طريق لبنان عبر الممرات البرية شمال فلسطين، أوعبر الطريق البحري بين عكا، حيفا، يافا إلى صيدا، صور، بيروت، طرابلس، اللاذقية، حيث شجعت ودفعت قوات الانتداب البريطاني قبل يوم 15/5/1948 المواطنين الفلسطينيين على المغادرة عبر المنافذ البحرية، وبعضهم وصل إلى الأراضي السورية عبر الأردن بعد اجتياز الضفة الغربية، خاصة من أهالي قرى جنوب وشرق مدينة حيفا، ومناطق المثلث، واللد، الرملة، يافا.

ووصلت الدفعة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا بعد العام 1956 قادمين من التجمعات الفلسطينية التي لجأت إلى الأراضي اللبنانية، ففي الفترة الممتدة بين أعوام (1948 – 1956) استمر قدوم اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا من لبنان وبشكل أقل من الأردن، في سياق سعي العائلات الفلسطينية لتجميع شملها الذي تفرق بفعل نكبة 1948.

واستكملت هذه الدفعة بعدة مئات من الفلسطينيين الذين طردوا من المناطق المنزوعة السلاح على الحدود (الفلسطينية – السورية) في الشمال والوسط وعلى أجزاء من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا على امتداد الحدود، وبعد تجفيف بحيرة الحولة، ومسح عشرات البلدات الفلسطينية، وعلى مساحة تقارب (62) ألف دونم من الأرض الزراعية شديدة الخصوبة ومن قرى: منصورة الخيط، يردة، كراد الغنامة، كراد البقارة، السمرة، النقيب العربية، التوافيق، كفرحارب، جسر المجامع، خان الدوير، مداحل المنشية، دفنة، حقاب، الدوارة، بيسمون، العلمانية، تليل، الدرباسية، الجليبينة، ومنطقة غرب بلدة الحمة، الذين أقاموا في منطقة الجولان وتابعوا لجوءهم الثاني بعد عدوان حزيران/ يونيو1967 إلى مناطق دمشق ودرعا، وتحديداً بين أعوام (1951/1958) عندما نشأ خط حدودي جديد بين فلسطين المحتلة وسوريا بفعل الأمر الواقع والعدوان “الإسرائيلي”.

لقد نشأ مع نتائج حرب فلسطين عام 1948 نشوء خط جديد بين سوريا وفلسطين المحتلة هو خط الهدنة، بحيث أصبح قطاع الحمة وجنوب شرق بحيرة طبريا، ومثلثان صغيران : الأول إلى الغرب من نهر الأردن جنوب بحيرة طبريا عند جسر بنات يعقوب، والثاني إلى الغرب من بانياس في الجبهة السورية من خط الهدنة مناطق مجردة من السلاح مساحتها بحدود سبعين كيلو مترا مربعا وفق أغلب المصادر الموثوقة والمعتمدة.

وكانت سوريا تسيطر عشية عدوان حزيران/ يونيو1967 على (18) كيلومترا مربعا من أصل (70) كيلو مترا مربعا تُشكّل المساحة الإجمالية للأراضي التي كانت منـزوعة السلاح، في مناطق القطاع الشمالي في تل العزيزيات، بينما سيطرت دولة الاحتلال الصهيوني على ثلث المنطقة.

وتحددت المناطق المنـزوعة السلاح وفق التالي : أولاً المنطقة المنـزوعة الشمالية قرب بانياس وكانت خاضعة لسيطرة القوات السورية في تل العزيزات، بينما سيطرتإسرائيل” على ثلثها بواسطة القوة العسكرية وفلاحة الأرض، ومساحتها نحو أربع كيلومترات مربعة.

وثانياً المنطقة المنـزوعة الوسطى شمال طبريا حيث سيطرت سوريا على قسم صغير من الهوامش الشرقية لهذه المنطقة، بينما كانت السيادة السورية تامة على الساحل الشمالي الشرقي والشرقي من بحيرة طبريا بطول يقارب عشرين كيلومترا، ومساحتها حوالي نحو (34) كيلومترا مربعا، ويوجد في إطارها أربع قرى فلسطينية هي: كراد الغنامة، كراد البقارة، منصورة الخيط، يردة، وبها مستعمرة واحدة هي (مشمار هايردن) ومعناها بالعربية (نجمة الصبح). وثالثاً المنطقة المنزوعة الجنوبية، وتمت السيادة السورية على المناطق الصغيرة شمال قرية النقيب، ومنطقة صغيرة جانب قرية كفر حارب، ومساحة واقعة غرب بلدة (خربة التوافيق) العليا كذلك على منطقة (الحمة)، وكل ضفة اليرموك ومساحتها (32) كيلومترا مربعا وبها ثلاث قرى فلسطينية هي: الحمة، النقيب، السمرة، ومستعمرة واحدة هي (عين غيف).

والحقيقة أنه خلال حرب فلسطين عام 1948، لم تتوقف الأعمال الحربية على الجبهة السورية مع قوات الاحتلال الصهيوني لفلسطين حتى توقيع إتفاق الهدنة في 22 نيسان/ أبريل1949 في جزيرة رودس.

ووفدت إلى سوريا دفعات جديدة من الفلسطينيين بعد عامي (1970 –1971) مع تمركز فصائل المقاومة والعمل الفدائي الفلسطيني فوق الأراضي اللبنانية والسورية، بينما لم يتم تسجيلهم في سجلات اللاجئين إلى سوريا حيث اقتصرت السجلات فقط على دفعات اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا إلى سوريا بين أعوام 1948 وحتى العام 1956.

أقام اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بعد وصولهم إلى الأراضي السورية في مواقع وتجمعات ومخيمات تركزت بشكل رئيسي في منطقة دمشق وباقي المدن السورية. وقضوا عدة سنوات في الإقامة داخل ثكنات الجيش الفرنسي الذي كان لتوه قد غادر سوريا بعد استقلالها، فيما استقر آخرون لسنوات عديدة داخل المنشآت الحكومية قيد الإنشاء وداخل الجوامع الكثيرة المنتشرة في دمشق، حيث كان كل جامع يضم عشرات الأسر بكامل أفرادها تفصل بينهم (البطانيات)، وأقام آخرون في حي الاليانس (حي الأمين) في منطقة الشاغور وسط العاصمة دمشق الذي كان يضم عدة آلاف من اليهود السوريين الذين كانوا لتوهم قد غادروا سوريا نحو فلسطين.

وبين أعوام (1953 – 1955) استطاعت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي أُنشئت في سوريا من توزيع الأراضي على اللاجئين بقصد السكن المؤقت وبواقع (48) مترا مربعا مساحة أرضية للعائلة الواحدة مع دعم متواضع من الإسمنت والمواد الأولية. وهكذا تم بناء التجمع الفلسطيني الأكبر في سوريا في منطقة بساتين الميدان والشاغور جنوب دمشق وأطلق عليه اسم (مخيم اليرموك) من قبل مفتي فلسطين المرحوم الحاج أمين الحسيني تيمناً بمعركة اليرموك.

وفي تلك الأيام الحالكة السواد في تاريخ الشعب الفلسطيني والتي لم تغادر ذاكرة الجيل الذي عاش وعي النكبة في سنواتها الأولى حيث تشتت العائلات الفلسطينية الواحدة، وفقدت عملية التواصل بين من بقي على أرض فلسطين وبين من حطت بهم الأقدار خارج فلسطين الى دياسبورا الشتات، فكان المذياع وارسال رسائل الأهل الى ذويهم عبر أثير إذاعة دمشق الوسيلة الوحيدة في التواصل.

كما عاشت أعداد إضافية من اللاجئين الفلسطينيين الوافدين إلى سوريا في مناطق أرياف محافظات دمشق وحمص وحماه وحلب والجولان وحوران تحت سقف خيام الاونروا والمساعدات الدولية، وعاشوا ظروفاً بالغة القسوة في مناطق شديدة البرودة والرياح، وأكثر من مرة اقتلعت الرياح الخيام من فوق رؤوس ساكنيها، إضافة إلى انتشار الأمراض واتساع حالات وفيات الأطفال وكبار السن نتيجة المآل الصعب الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون سنوات اللجوء الأولى.

وخلاصة القول، إن سوريا العربية لم تكن بالوطن الطارىء على اللاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا إليها عام النكبة، بل هم أصلاً من بلاد الشام ومن سوريا الطبيعية، التي كانت ومازالت فلسطين مكوناً أصيلاً وأساسياً من مكوناتها الجغرافية والبشرية ومن نسيجها الوطني والاجتماعي والسكاني العام. ففلسطينيو سوريا هم أبناء بلاد الشام، وأبناء سوريا الطبيعية، والقسم الجنوبي الغربي منها وعلى امتداد أكثر من ثلثي الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ويُشار في هذا السياق بأن نحو (200) ألف مواطن من أبناء دمشق ودرعا وحوران كانوا يقيمون في فلسطين قبل النكبة وقد لجأوا إلى وطنهم سوريا الحالية حالهم حال سكان الإقليم الفلسطيني من بلاد الشام.

بقلم علي بدوان

صحيفة الوطن العمانية

الخميس 23/1/2014