ولكن كنعان يتماثل للشفاء

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

ولكن... كنعان يتماثل للشفاء
الجزء الثالث عشر والأخير من
كنعان في عيادة الطب النفسي

.................................
في طريق عودتي من العيادة للبيت
وجدت لفيفاً من الشرطة وسرباً من سياراتهم
على أبواب بيت جارنا مدير المدرسة (ابو محمد).
استطلعت الأخبارمن أم العبد.
قالت وهي تندب حظ جيراننا العاثر:
"مسكين يا أبو محمد، الله يعينك يا أم محمد،
أجت الحزينة لتفرح ما لقتلهاش مطرح".
كانت ليلة أمس حفلة زفاف إبنتهم في صالة أفراحٍ.
عادوا الى البيت من حفل الزفاف،
في وقت متأخر من الليل.
وجدوا البيت مفتوحاً على مصراعيه.
خاوياً على عروشه.
لقد نهبه اللصوص ولم يتركوا فيه شيئاً يُباع.
والمصيبة الكبرى الصادمة،
انقسمت عصابة اللصوص الى عصابتين.
عصابة نهبت بيت أهل العريس.
وفي نفس التوقيت،
عصابة نهبت بيت أهل العروس.
إنها ظواهر غريبة وطارئة تفشت في بلادنا.
سرقة السيارات ونهب البيوت.
الغش في الإمتحانات.
العنف الجامعي والبرلماني.
عنوسة الشباب والبنات.
الزواج القهري لكتم فضائح الإغتصاب.
إنه الفقر والجوع والحرمان والخلل التربوي.
تذكرت قول الفاروق:
"لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
حقاً لا تربية سليمة في ظلال الفقر، وتحت سياط الجوع.
.....
قيدت جريمة سرقة بيت جارنا وبيت أنسبائه
ضد مجهولين.
لم تفلح الشرطة في إعادة الحقوق لأصحابها.
...
توفى الله أبا ليليان في الخمسينيات من عمره.
"الله يرحمك يا صبحي خليل طافش"
دفع سليم نفقات علاجه بالمستشفى.
بيعت كل ممتلكاته بالمزاد العلني.
بعض الدائنين سامحوا بديونهم.
بعضهم ظل يستقصي إن تبقى له ممتلكات.
أصبحت فتحية(أم ليليان) بلا مأوى.
تزوج سليم من ليليان.
إنتقلت فتحية للعيش مع سليم وزوجته.
..........
وضع عبد الرحمن يده بيد أخيه سليم.
أصبح شريكاً له بالشركة.
أقاموا الدور الرابع على سطح المنزل.
إتفقنا مع ليليان على مناداتها "ليلي".
أبدت سرورها واعتزازها بذلك.
تزوج عبد الرحمن.
أقمنا جميعاً بالبناية.
...
تكاثر الأحفاد،
ولدوا أبرياءً من الفصام.
بدأت أشعر بعودة الروح من خلال تعاملي معهم.
يلعبون سوياً بسلامٍ دون خصام.
إلاّ خصام الطفولة الفطري العفوي.
يختلفون، يتخاصمون لكنهم لا يحقدون.
قلوبهم بيضاء ناصعة.
يعودون للوئام سريعاً وكأن شيئاً لم يكن.
ما أجمل تراضيهم بعد الخصام.
يزيدهم الإختلاف تعلقاً ببعضهم البعض.
حقاً إن في الإختلاف والتنوع حكمة.
...
بدأت أستعيد الجزء المنفصم عني روحياً.
لكن الجسد بقي منفصماً.
يحتاج الى التطبيق العملي للقناعات.
.....
تماثلت للشفاء التام عند بلوغي سن التقاعد.
طلبت التقاعد عن العمل.
لأفسح المجال لشاب عاطل عن العمل ينتظر دوره.
لأن الشباب أقدر على ملاحقة التطور المتسارع.
ومن أجل أن يعيش كلٌ لزمانه.
لعل زمانهم يعيد لنا بعض ما افتقدناه.
فهم المستقبل وعليهم نعلق الآمال.
أنا مقنعٌ بأن دوري الجديد في تربيية الأحفاد،
وتقديم النصح وخلاصة التجربة للأبناء،
يعلو على ما سأقدمه للمجتمع في العمل.
.....
رغم تماثلنا للشفاء كأفراد،
ما زلنا كمجتمع نعاني من الفصام.
لأننا شعب تفاضلي لا تكاملي.
ما زال وباءٌه ينتشر ويتمدد طولاً وعرضاً.
أخشى على أحفادي الأبرياء الأنقياء
من الإنخراط في المجتمع الذي ما زال منفصماً.
ومن تلقيهم دروساً في الإنفصام من خلال الإعلام.
ومقاطع الفيديو واليوتيوب،
حيث مشاهد ذبح الإنسان لأخيه الإنسان.
والإقتتال المتناثر على سطح وطننا الكبير.
أريد تحصينهم بطُعمٍ مضادٍ للفصام.
أصبح همي المشاركة في تربيتهم وتعليمهم.
استفيد من أخطائي في تربية أبنائي.
لأسقط الفائدة والخبرة على تنشئة الأحفاد.
نفسياً وتربوياً وعقلياً ودينياً وبدنياً.
لأننا بحاجة ماسة الى إعادة النظر
في مناهج التربية والتعليم.
نحاورهم ونستمع لآرائهم بروح رياضية.
نربيهم التربية الدينية الوسطية السمحة.
التي تعترف بالتنوع في اللون والفكر والعقيدة.
وحرية الرأي والتعبير دون المساس بشخص الرأي الآخر.
وتؤمن بالتعايش السلمي لهذا التنوع ما لم يعتدي
طرف على آخر أو ينقض العهود المبرمة.
نغمرهم بالعطف والحنان عند الحاجة.
نعلمهم السباحة والرماية وركوب الخيل.
نعودهم على الخشونة وتحمل المسئولية.
نحاسبهم على أخطائهم بما يتناسب مع سعة إدراكهم.
نكافؤهم على إبداعاتهم بما تيسر.
....
نهتم بتربيتهم التعليمية الصحيحة،
تربية عمادها العقل والفهم والتطبيق العملي والإبداع
وتوسيع الثقافة والمعرفة.
بعيداً عن التلقين وحشو المعلومات.
وبعيداً عن شحن العاطفة وسخونة الوجدان.
لنصل بهم الى درجة الوعي.
إذ لا فائدة من التعليم والثقافة والمعرفة،
إن لم تُتَوج كلها بالإدراك والوعي.
فهما يمثلان الوقاية من كل آفة ولوثة.
"درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج".
ليتقوا شر الفصام بكل أنواعه.
وشرور التطرف والتعصب الفكري.
...
ألمح في عيونهم بريقاً من الأمل.
في إنهاء حالة الفصام العقلي والجسدي.
إنهم يملؤون علي وعلى أم العبد حياتنا.
أعادوا الينا الضحكة، والإبتسامة، والسعادة.
أسأل الله أن يمد في عمري وعمر أم العبد.
لنشهد وفاة الإنفصام ورحيله عنا إلى الأبد.
بعد أن كنا نتمنى طول العمر،
لنشهد عودتنا إلى وطننا المغتصب.
....
إنتهت القصة.
مع تحياتي.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
29/1/2014 م