الإندفاع نحو مربع الصفر !

بقلم: محمد السودي

لم يستطع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال جولاته المكوكية للمنطقة تقديم رؤية البيت الأبيض لحل تاريخي ينهي الصراع الفلسطيني الصهيوني القائم حتى اللحظة الراهنة بعد أن اصطدم بحائط الأشتراطات الإسرائيلية التعجيزية الأربع وهي الإعتراف بيهودية الدولة ، رفض التخلي عن منطقة الأغوار الحدودية مع الأردن ، إبقاء القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية ، رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم التي شردّوا منها أبان النكبة ، فضلا عن الإحتفاظ بالكتل الإستيطانية الكبيرة المقامة على أراضي المواطنين مضافاً إليها حديثاً مستوطنة بيت ايل المحاذية لمدينة رام الله ويستخدمها جيش الاحتلال كمركز قيادة إداري"للمناطق"المحتلة وتعزل عمليا وسط الضفة عن شمالها ، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية الحريصة على عدم إغضاب الحليف الإستراتيجي تتراجع عن وعودها السابقة وتغيّر من اتجاهات مسارالعملية السياسية التي يفترض أن تؤدي الى انهاء الإحتلال باتجاه سقف متدني عبارة عن اتفاق إطار ينتقص من الحقوق الوطنية الفلسطينية ويكون أساسا لمفاوضات طويلة الأمد لايمكن أن يكون في كل الأحوال سوى وسيلة لإدارة الأزمة بدلا من حلـّها في ظل تبنـّي وجهة نظر حكومة غلاة التطرف التي تريد الحصول على مكتسبات عجزت عن تحقيقها بالحروب والقوة الغاشمة منذ نشوء كيان الإحتلال متمثلة بالأرض وتوفير الأمن وتشريع الإحتلال إلى الأبد مقابل دولة فلسطينية وهمية بلا ملامح لايعلم أحداً أين ستقام بعد كل هذه الإستقطاعات .
توماس فريدمان كبير المحللين السياسيين العاملين في صحيفة نيويورك تايمز كشف عن بعض بنود اتفاق الإطار غير المُلزم الذي سيقدمه "كيري" للجانبين خلال الأيام المقبله يكون أساس للتفاوض في المرحلة المقبلة حسب قوله تستند أهم عناصره إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 م مع تبادل بعض الأراضي ، القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ، وضع ترتيبات أمنية خاصة بمنطقة الأغوار التي سينسحب منها جيش الإحتلال ، الإعتراف بدولة اسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي ، عدم عودة اللاجئين إلى أراضي فلسطين التاريخية لكنه لم يوضّح طبيعة الحل لهذا الموضوع شديد الحساسية ، مايعني أن المهلة المحددة في التاسع والعشرين من نيسان القادم التي كان يفترض بها إنجاز كافة قضايا الوضع النهائي ستصبح مجرد رقم مثل غيرها من المهل الكثيرة إنما تحت مسميات جديدة تتيح المجال أمام سلطات الإحتلال كسب المزيد من الوقت وتوفير الغطاء من أجل تنفيذ مخططاتها الإستعمارية الإستيطانية الجارية على قدم وساق ، تترافق مع تصاعد الضغوطات والتهديدات الأمريكية والأوروبية على القيادة الفلسطينية بوقف المساعدات للقبول بخطـّة كيري الإطارية ، أما تسيبي ليفني وزيرة العدل المفقود المسؤولة عن ملف التفاوض ، استعانت بمنطق عصابات دفع الثمن في تهديدها للرئيس الفلسطيني إذا رفض الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية .
غضب رئيس وزراء حكومة الإحتلال غضباً شديداً على زعيم أحد أقطاب حكومته اليمينية المتطرفة "نفتالي بينت رئيس حزب البيت اليهودي" وزير الإقتصاد نتيجة مهاجمة الأخير تصريحات إستخدامية للمناورة أدلى بها رئيس حكومته تقضي ببقاء مستوطنين تحت السيادة الفلسطينية فيما لو توصّلت أطراف الصراع لحلول سياسية تنهي الإحتلال القائم على حدود الرابع من حزيران الغرض منها كما أُعلن على لسان طاقم مكتب "نتنياهو" التفتيش عن ذرائع تظهر الجانب الفلسطيني بعدم الجدّية وبالتالي تحميله مسؤولية فشل المفاوضات الجارية التي يرعاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من خلال عدم قبول مقاربات قد تُجسر الفجوة الواسعة بين الطرفين حسب وصفهم ، والتي أفسدها الوزير المتطرف "بينت" المهدّد بتفديم إعتذار أوابعاده عن التشكيلة الإئتلافية ، وهذا مؤشر أخر لايقبل التأويل بعدم رغبة الجانب الإسرائيلي التوصل حل عادل يعيد أدنى الحقوق الفلسطينية لأصحابها ، وحسب استطلاعات الرأي العام للجمهور الاسرائيلي فإن أكثر من خمسٍ وثمانون بالمائة متأكدين من عدم الوصول إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني ، كما يؤكد كافة أقطاب الحكومة اليمينة وفي مقدمتهم رئيس وزراءها على الملأ التمسك بالشروط التعجيزية للتخلص من الحرج والعزلة الدولية في حال رفضها المعلن لعملية التسوية السياسية ، كما جاء في خطاب نتنياهو أمام منتدى دافوس الإقتصادي السياسي بامتياز أنه لايمكن سحب أي مستوطن من أراضي الضفة الفلسطينية ، لكنه حريص على استمرار المفاوضات من اجل المفاوضات .
كل ذلك يأتي في غياب استراتيجية فلسطينية واضحة تستعدّ لليوم التالي أي مابعد انقضاء المدّة الزمنية التي ستنتهي أواخر نيسان القادم إلا بعض التصريحات التي تقول إذا مافشلت المفاوضات لم يبقى أمامنا سوى الإنضمام لمؤسسات المنظمة الدولية التي يزيد عددها عن ستين منظمة ومؤسسة دولية بالرغم من ظهور عوائق بدأت تطفو على السطح تحول الولوج إلى بعض هذه المؤسسات بما في ذلك ضغوطات الدول المانحة ودول إقليمية وأخرى عربية التي تعزف على وتر قطع المساعدات المالية وفرض العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني الذي يشكـّل نسبة موظفيه الشريحة الرئيسة للمجتمع والذي يبدو أنه غير مبالٍ بما يجري داخل أروقة المفاوضات نتيجة غياب وتجاهل دورها الذي سيكون له العامل الحاسم في مسألة تقرير المصير ، أما الجوانب الأخرى المتعلقة في توفير مناخ مواجهة الإحتلال من جهة ، وتعزيز صمود المواطنين من جهة أخرى لازال يراوح مكانه ودون الحد الأدنى المطلوب ، فلا المقاومة الشعبية أخذت أشكالا مؤثرة فعلياً في تغيير موازين القوى مع الإحتلال ، ولا المقاومة بكافة أشكالها معنية بأخذ دورها الحقيقي نتيجة حسابات فرضتها ظروف الواقع الفلسطيني الصعب ، ولا استعادة وحدة الشعب الفلسطيني وانهاء الانقسام الداخلي أحرزت تقدماٍ فعلياً خارج نطاق النوايا .
ان الإتجاهات العامة للسياسة الفلسطينية الراهنة تدّل بوضوح شديد بأنها ستبقى تدور في فلك التسويات التي تحتكرها حصرياً الولايات المتحدة وحلفائها وبالتالي من غير المتوقع في المدى المنظور اتخاذ خطوات دراماتيكية تؤدي إلى الإنفكاك عن الرعاية الأمريكية لها والتوجه بالملف الفلسطيني إلى المنظمة الدولية وعقد مؤتمر دولي يعيد القضية الفلسطينية إلى مكانتها التي تستحق مايعني العودة إلى مربع الصفر ...........

كاتب سياسي