اردت اليوم ان اكتب رغم ان حالة الاحباط الني نعيشها ونحن نرى خطوات تصفية القضية الفلسطينية تأخذ أشكالاً جديدة أكثر تعقيداً ، وفي ظل محاولات من اجل إقصاءها كقضية قومية عربية وبعد تهميشها سياسياً ودولياً نظراً للمتغيرات والتطورات الدولية المتسارعة, حيث تجري محاولات التصفية لقضايا الحل النهائي من خلال نسج خيوط كثيرة ومعقدة بهدف الابتعاد عن الثوابت والمواقف التي لا ينبغي التنازل عنها, فقضية اللاجئين على سبيل المثال تبدو المثال الصارخ الأن على محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر طرح أربعة حلول غير قابلة للتنفيذ وتضع اللاجئين في نفق المجهول بشكلٍ أكبر مما هم عليه الأن ناهيك عن الطابع المادي والاغرائي الذي يغلف هذه الحلول والذي يمكن أن يسمى رشوة اللاجئين.
اتفاق الإطارالأمريكي المقترح في بنوده القديمة الجديدة، يتضمن تنازلات جوهرية فلسطينية،ويراد منه أمريكياً دق إسفين في صفوف الفلسطينيين أولاً، وإظهارهم بأنهم المعطل للحل النهائي المقترح أمريكياً ثانياً، فضلاً عن مخاطره على مصير القضية الفلسطينية عموماً، وخاصة مسألة التوطين والتهجير للاجئين الفلسطينيين، وغيرها من العوامل المفصلية الأخرى التي تحتاج إلى بحث مفصل ومعمق.
فالخطوط العامة للاطار الذي يجري الحديث حوله تتشكل بالدرجة الاولى بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، بل يجري الحديث عن القدس الكبرى حيث يمكن ان تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، في "ابو ديس" وليس في القدس التي احتلت عام 1967 ، والتخلي عن حق العودة نهائياً والاستعاضة عنه باجراءات لا تمت بصلة بالحقوق الثابتة والمشروعة للاجئين، وهي الحقوق التي لا يمكن لأحد أن يتنازل عنها او يتصرف بها نيابة عن اصحابها. اضافة لهذه الامور فان الاطار الامريكي يدعو الى تبادل في الاراضي، بحيث تتمكن اسرائيل من التخلص من الكثير من العرب الفلسطينيين الثابتين في ارضهم وديارهم منذ عام 1948، وكذلك اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة اسرائيل.
ان ما يجري من مؤامرة امريكية بحق الشعب الفلسطيني والامتهان الشديد للشعوب والبلدان العربية، ورغم انحيازالادارة الامريكية المفضوح للكيان الصهيوني الذي يبتلع الارض من خلال استيطانه التوسعي بهدف القضاء على اي امل بالدولة الفلسطينية، وكل ما يجري يأتي ايضا في ظل الانقسام الفلسطيني الذي يضعف الوضع الفلسطيني، وفي ظل الاوضاع العربية السيئة التي تشغل غالبية الدول العربية بقضايا داخلية معقدة ، وخاصة ان الشعوب العربية ، التي علقت الآمال على حالة البؤس التي عاشتها تحت نير أنظمة أذلتها وأفقرتها ، وقدمت التضحيات للتخلص من واقعها البائس، كشفت فيما بعد انه تم توظيفها لصالح نخب ودول تتصارع على السلطة والثروة ،وفي صراعها المُفتقر لكل قواعد الأخلاق والوطنية يتم توظيف أرواح البشر ومصير الأوطان كأدوات أو وقود لتحقيق مصالحها من خلال احضار المرتزقة الذين يحولون الدول الى الخراب والدمار والفتنة تحت يافطة الدين من جانب ، وسلاح ومال الغرب من جانب آخر خدمة لمصالح القوى المعادية التي تستهدف من وراء ذلك نجاح مشروع الفوضى الخلاقة وشطب القضية الفلسطينية والحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني .
ولا شك ان الشعور بخطورة المقترحات او المخططات الامريكية، هو الذي دفع الرئيس الفلسطيني الى ان يطلق هذه التصريحات في ظل تنامي القلق في اوساط الشعب الفلسطيني واتساع الحراك المناهض والمعادي لسياسة واشنطن ازاء القضية الفلسطينية.
ان الخطه الامريكيه تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني في مخيمات سوريا ، وإن موقف ألجامعه العربية اللامبالي يؤكد أن هناك مخططا يستهدف موضوع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وعلى رأسهم المتواجدون في سوريا يتبعهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، بعد أن بانت حقيقة المستهدف من المشروع الأمريكي الصهيوني للشرق الأوسط الجديد ، وعلى هذا الاساس يجب على الجميع أن يعلم أن القضية الفلسطينية ستبقى أولوية الصراع في المنطقة ولن يكون بمقدور احد من حرف الصراع عن بوصلته الحقيقية والاساسيه ، القضية الفلسطينية هي قضية حق وقضية وطن مسلوب ومغتصب وان هذه الحقوق لن تسقط مهما تآمر المتآمرون وتكالبوا فيما بينهم لإسقاط هذا الحق وتصفيته خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني .
ان حق العودة بالنسبة للشعب الفلسطيني يعني الحنين إلى الوطن ،حيث لم يتركوا ساحة من ساحات النضال ولم يبخلوا بدمائهم وتضحيتهم، فقدموا، منذ النكبة عشرات الآلاف من الشهداء، فكان للاجئين الفلسطينيين دور وحضور في صولات وجولات ومحطات العودة والانتفاضة والمقاومة.
ان المؤامرة على حقّ العودة وقضية اللاجئين، من خلال طرح يهودية الدولة، ومحاولات إلغاء القرار 194، وما يجري من محاولات تقليص خدمات وكالة الغوث وتسييسها، على طريق تنصّلها من واجباتها تجاه قضية اللاجئين إلى حين عودتهم،وما استهداف مخيم اليرموك وما يمثله كشاهد على النكبة من قبل المجموعات المسلحة يعد دليلا فاضحا على عمق التنسيق بينهم وبين إسرائيل و يندرج ضمنها بما جرى لفلسطينيي العراق وليبيا ، من محاولات تصبّ كلها في إطار المساعي لتصفية الهوية والذاكرة الوطنية، لأنَّ فكرة العودة إلى فلسطين هي المعنى النقيض لفكرة الترحيل والاقتلاع، التي سعى إليها الكيان الصهيوني.
إن الصراع كان ولايزال وسيبقى حول الأرض والشعب، لذلك فإن مركزية حقّ العودة، باعتباره جوهر المشروع الوطني، مرتكزة على الحقّ الطبيعي والقانوني والتاريخي. والعودة حق فردي وجماعي، لا يجوز التفريط به أو المساومة عليه أو مقايضته أو التفاوض بشأنه، لأن حق العودة ثابت غير قابل للتصرف، وهو جزء من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ومن هنا نرى ضرورة انهاء التفرد الامريكي في رعاية المفاوضات الثنائية والدعوة الى عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات في اطار الأمم المتحدة بالتزامن مع استكمال التوجة للأمم المتحدة بناء على الاعتراف بفلسطين دولة غير كاملة العضوية للانضمام الى الاتفاقات والوكالات الدولية، والعمل الفوري لانهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على اساس وطني ديمقراطي، وشراكة سياسية حقيقية تتيح لمختلف الوان الطيف السياسي الفلسطيني المشاركة المتساوية في الشأن الوطني.
ختاما : لا بد من القول أن الألغام ما هي إلا أوهام فرسالة الشعب الفلسطيني أكدت أن البوصلة هي فلسطين، وأن التناقض الرئيس لشعوبنا العربية مع الاحتلال الصهيوني ومن يدعمه، فالشعوب العربية، إذا تحررت من قيودها وأغلالها ونالت حريتها، قادرة على اجتراح المعجزات وستبقي القضية الفلسطينية بوصلتها .
كاتب سياسي