تكررت خلال الفترة القليلة الماضية التصريحات التي يدلي بها أركان دولة الاحتلال، والتي تتمحور حول تهديدات معلنة وصريحة، أو مواربة ومستترة للرئيس الفلسطيني الأخ أبو مازن.
إضافة إلى ذلك، فقد تكرر ومنذ سنوات، الحديث عن التنازلات المؤلمة وضرورة وجود قيادات شجاعة، وجريئة، ولديها القدرة على اتخاذ قرارات صعبة وعصيبة وتاريخية وصادمة، إلى آخر "السيمفونية"، التي هي في الحقيقة موجهة إلى الجانب الفلسطيني أكثر مما هي موجهة إلى الجانب الغازي والمعتدي.
وكان آخر ما صدر في موضوع التهديدات، ما نشرته بعض وسائل الإعلام، حول تهديدات وجهها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للرئيس الفلسطيني بعد اجتماع مطول قيل انه استمر لعدة ساعات، حيث لم يتردد كيري بالقول "بأن مصير الرئيس عباس لن يكون أقل من مصير الرئيس الراحل ياسر عرفات".
وبغض النظر عن مدى صحة الخبر من عدمه، ومدى الجدية التي يتسم بها التهديد فيما لو حصل فعلا، فانه بتقديرنا لن يكون لا غريبا ولا مستغربا على ركن من أركان الإدارة الأمريكية، التي ما ترددت يوما التخطيط وتنفيذ الاغتيالات لرؤساء الدول، وأن تمارس القتل ضد شعوب العالم الثالث، حيث ما زالت دماء أطفال وحرائر العراق ماثلة أمامنا، وكذلك أطفال سوريا وغيرها من دول المنطقة والعالم، هذا عدا عن وقوف الدولة الأمريكية بكل ما لديها "بالباع والذراع" مع دولة الاحتلال.
وبحسب علمنا، فان السيد أبو مازن، كان أحد القيادات الأولى في حركة فتح، وبالتالي فهو ومنذ التحاقه بهذه الحركة، كان يعلم ما يجره عليه هذا العمل من مخاطر قد تستهدف حياته في أي لحظة وفي أي مكان، وعليه فإننا نفترض بان مثل هذه التهديدات سوف لن تفت في عضده، وهي بالضرورة لن تؤثر على أي من القادة الفلسطينيين لا الأولين ولا اللاحقين، حيث كان كل واحد من هؤلاء وبمجرد اختياره لخندق الثورة، مشروع أسير أو جريح أو شهيد.
التهديدات التي سمعناها على لسان أكثر من مسؤول في دولة الاحتلال، وهذه التي نسمعها على لسان جون كيري، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها بعض قيادات الدول العربية، هي التي يجب أن تدفع الجانب الفلسطيني لمزيد من التمسك بحقه، لان العالم يعلم علم اليقين، أن لا احد يمكن أن يحل محل العشب الفلسطيني، وأن حل الصراع في المنطقة مرتبط بالطرف الفلسطيني برغم حالة الضعف التي تعتريه، حيث ان حالة الضعف هذه هي مصدر فوته.
برغم كل ما يقال عن المفاوضات، وبرغم حالة "التعمية" والتكتم والبعد عن الشفافية والمصارحة التي يجب ان تسود، حيث من حق الشعب ان يعرف ما الذي يدور خلف الأبواب المغلقة، لأنه يتعلق بمصيره وبمستقبل أبنائه، إلا ان من الأفضل ان يقال عن القائد الفلسطيني "بغض النظر عمن يكون" انه صمد في وجه الضغوط ورفض التنازل عن الحقوق والثوابت، وأن يقال عنه ان مات شهيدا ثابتا على المواقف، على أن يقال انه باع الأرض والوطن وخان الشعب وتنازل عن الثوابت وباع الحقوق والقضية.
الشعب الفلسطيني أين ما تواجد، سوف يقف خلف قيادته في حال ثباتها، وهو ليس بعجلة من أمره في تحرير الأرض والإنسان، وليبق الاحتلال مائة عام أخرى، أفضل ألف مرة من التنازل عن شبر من الأرض أو حق لاجئ واحد في العودة.
ان الحديث عن القرارات الشجاعة الجريئة والمصيرية، والتنازلات المؤلمة، يندرج تحت خانة الخداع ودغدغة "العقلية" العربية التي "تعشعش" في صدورنا وعقولنا، وعلى الأخ الرئيس، ان يعلم ان مقاييس ومعايير الشجاعة والجرأة لدى أبناء شعبه تختلف تماما عنها لدى كيري وغيره من قادة الغرب المنافق.
إن مقاييس ومعايير الشجاعة عندنا، هي بالمدى الذي تتمسك فيه القيادة بالحقوق وبالحفاظ على المقدسات وحق العودة والأغوار والاستقلال الناجز والثوابت بكل مفرداتها ومعانيها وتفاصيلها.
هكذا يفهم الناس في الشارع "الفلسطيني والعربي" معنى الشجاعة، وهكذا ستنظر الجماهير الفلسطينية إلى من يقودها، وعلى هذه الأسس سيكون تقييمها لانتماء ووطنية قادتها، فهي لا ترى أي نوع من أنواع البطولة ولا الجرأة في التنازل عن شبر واحد من فلسطين، وما سوى ذلك، سيكون وصمة عار نأباها ولا نقبلها لأي من القادة الفلسطينيين، ومن هنا فإننا نطالب الرئيس أبو مازن أن يستمع إلى صوت شعبه لا إلى ترهات كيري وسواه،
2-2-2014