هدد مسئولون فلسطينيون بممارسة كافة أشكال المقاومة للاحتلال في حال فشل المفاوضات الراهنة مع الصهاينة، ولم يستبعد بعضهم المقاومة المسلحة، وهدد آخرون باللجوء إلى الأمم المتحدة، والانضمام إلى المنظمات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولة لمحاسبة قادة الكيان الصهيوني، وهدد آخرون بحل السلطة الفلسطينية، والرجوع بالزمن إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، وتحميل إسرائيل المسئولية المباشرة عن الاحتلال، وهدد آخرون بالتخلي عن فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، والعمل على إحراج من خلال طرح فكرة ثنائية الدولة.
مجمل التصريحات السابقة وغيرها قد صدرت عن مسئولين فلسطينيين يمارسون عملياً القيادة، وهم أصحاب القرار، أو أنهم شركاء في المسئولية عن القرار السياسي، بالتالي فإن تلك التصريحات الصادرة عن مستويات قيادية فلسطينية تشير إلى احتمالين اثنين،
الاحتمال الأول: إمكانية نجاح خطة كيري في التوصل إلى اتفاق إطار بين القيادة الفلسطينية والقيادة الإسرائيلية، فجاءت هذه التصريحات المتشددة لتدعم المفاوض الفلسطيني، ومحاولة التأثير على الخطة بالإيجاب لصالح القضية الفلسطينية.
الاحتمال الثاني: حالة الإحباط التي تسيطر على القيادة الفلسطينية، وتقديرها المسبق لفشل المفاوضات، وبالتالي تحاول استباق المرحلة القادمة، والتأثير فيها، ومواصلة قيادتها.
الاحتمالان السابقان لا يعفيا المسئولين السياسيين عن حالة الردى التي وصلت إليها القضية الفلسطينية، وما نجم عنها من تغيرات جغرافية وسكانية مهدت الأرض لصالح الصهاينة، بالتالي فإن تصريحات بعض المسئولين الفلسطينيين عن خيارات أخرى غير المفاوضات لا تنسجم مع منهاج حياتهم، وقناعتهم، ومسيرتهم التي أوصلت الفلسطينيين إلى ما وصلوا إليه. والصحيح هو أن يقف هؤلاء المسئولون الفلسطينيون أمام الشعب، وأن يعلنوا بكل جرأة وشجاعة عن فشل مشروعهم، الذي يحتم انسحابهم من الحياة السياسية، ومن واقع المسئولية، وألا يفرضوا على المجتمع الفلسطيني خياراتهم هم، ورؤيتهم هم التي أوصلتنا إلى هذه الحالة.
ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يغدو أبطال السلام والمفاوضات بين عشية وضحاها أبطال التحدي والمقاومة، ففي ذلك إهدار لمكانة الإنسان الفلسطيني القادر على فرز قيادته التي تتواءم مع المرحلة، والقادر على إبداع وسائل المواجهة بعيداً عن أولئك المسئولين؛ الذين اجتهدوا وفشلوا، ثم اجتهدوا ثانية وفشلوا.