تراجع الليرة وإمكانية غروب شمس التجربة التركية الاقتصادية

بقلم: حسن عطا الرضيع

يراقب الاقتصاديين عن كثب للتغيرات في سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية الأخرى وخصوصا الدولار, فبعدما حقق الاقتصاد التركي لمعدلات مرتفعة في النمو الاقتصادي في عامي 2010-2011 لتقترب من 9% وهي نسبة مرتفعة نسبية عن دول الاتحاد الأوروبي ومتوسط النمو العالمي, إلا أن هذا النمو بدأ يتراجع بقوة بفعل الأزمة الاقتصادية التي يعانيه الاقتصاد التركي وخصوصا التراجع الكبير في سعر صرف الليرة, حيث انخفض سعر صرف الليرة من 1.98 ليرة لكل دولار وصلت وخلال الشهرين الأخيرين إلى 2.39 ليرة للدولار.

وهذا يعني أن الليرة فقدت 15% من قيمته وما له من أثاراً اقتصادية كبيرة حيث تراجع ثقة المستثمرين في الليرة وهروب رؤوس الأموال المحلية للخارج للبحث عن عملة أكثر استقراراً وكذلك فهذا الانخفاض يزيد من حدة التضخم في تركيا فعلى الرغم من بلوغه نسب مرتفعة عالمياً وهي 9% فإن هذا الانخفاض سيزيد من معدلات التضخم لحدود أعلى وبدوره سيزيد من تفاقم المشكلة وتزايد حدة الفقر والفقر المدُقع ويخفض من مستوى المعيشة, وحتى أن انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار لن تحفز الاستثمارات ولن تزيد الصادرات والاثار السلبية عديدة فإنخفاض قيمة الليرة يعني ارتفاع أسعار السلع المستوردة والمقومة بالعملة المحلية وكون الاقتصاد التركي يعتمد على العالم الخارجي في وارداته وخصوصا 90% من احتياجاته من النفط والغاز هو مستورد فهذا يعني زيادة أعباء الأسر التركية ودخولها في أزمة حقيقية.

وحفاظاً على استقرار الليرة تدخل البنك المركزي وفي خطوة غريبة وهي رفع سعر الفائدة بنسبة 4.25% من 8% إلى 12.25% وتلك السياسة لن يُكتب له النجاح في ظل المؤشرات الاقتصادية المتفاقمة في السوء حيث انخفاض معدل النمو من 9% عام 2010-2011 إلى 2.2%عام 2010الى 3.6% عام 2013 وكذلك معدلات البطالة والفقر تزايدت وتفاقم العجز في الميزان التجاري ليصل إلى 60 مليار دولار وتراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية ليصل فقط إلى 42 مليار دولار مقابل الديون الخارجية والتي وصلت إلى 420 مليار دولار, هذه الخطوة المتبعة من البنك المركزي والهادفة إلى تحجيم وكبح جماح التضخم والمحافظة على استقرار الليرة لن تجني إلا مزيدا من التدهور في الأداء الاقتصادي التركي وستؤدي إلى انخفاض الاستثمارات المحلية وتراجع حجم الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستهلاكي والاستثماري وتراجع مستمر للاحتياطي من العملات الأجنبية.

والاقتصاد التركي مُقبل على أزمة ركود اقتصادي أشد وطأة من أزمة 2001 وربما يرافق ذلك أزمة تضخم بمعنى حالة التضخم الركودي ستحل ُ بالاقتصاد التركي , وبهذه الأزمة تغيب شمس التجربة التركية التي لاقت رواجاً وكانت محطة أنظار بعض الاقتصاديين في الأعوام الثلاثة الماضية, تراجع الليرة أدى إلى اعتبارها أسوء عملة أداءاً في سوق العملات الأجنبية , وبهذا يعد الاقتصاد التركي من الاقتصادية الأكثر هشاشة وارتباط بالتغيرات في الأسواق المالية العالمية كونه من الاقتصاديات الخمس الهشة , هذه الأزمة لا تختلف كثيراً عن أزمة النمور الأسيوية في العام1997 والتي أدت إلى عودة تلك النمور إلى قطط فقيرة وضعيفة ومن تم بدأت بالعودة مجدداً بعد إتباع دولها لخطط اقتصادية كفلت العودة الايجابية لمعدلات النمو بعد عامين من تحقيقيها لمعدلات نمو سالبة, وكذلك فحل المشكلة الاقتصادية التركية وفي ظل هذه المؤشرات الكلية السلبية فلا توجد أفق للحل في هذه الأوقات وهذا يتطلب إعادة النظر جيداً في النظام الاقتصادي القائم وإتباع سياسات اقتصادية أكثر توازناً, وعدم ترك المجال مطلقاً للبنك المركزي وللأسواق المالية وللشركات متعددة الجنسيات في تدفقه بكل حرية وبدون أي قيود, ومع التطور الكبير في الاقتصاد العالمي القائم اليوم على العولمة وحرية الأسواق وعلى مجلس إدارة اقتصاد العالم

فإن أي تغير في أسواق المال العالمية وأي تذبذب في سعر صرف الدولار سيؤثر بالسلب على أداء الاقتصاد التركي الذي سيعيش فترة جديدة من الأزمات الاقتصادية وبحلقات عديدة منها التضخم الركودي انهيار الليرة وتفاقم وتراجع كل المؤشرات وربما تحقيق معدلات نمو سالبة في الشهور القادمة.