قدر غزة أن تحظى بهذا القدر من الاهتمام الغير مسبوق، قدرها أن تكون في عين العاصفة، وان تُعرف وكأنها قارة لوحدها، فالبعض في العالم البعيد – خاصة أمريكا وأوروبا حسب استطلاعات رأي شرائح من الجمهور-، قد لا يكون سمع باسم فلسطين أو دول عربية كبيرة من قبل، ولكنه سمع بغزة، لما ألم بها من أحداث كبيرة. حيث يحاول البعض جاهدا باذلا روحه وماله وجهده من اجل مد يد العون، بينما يتآمر البعض من اجل إسقاطها وإسكات صوتها ليلا نهارا، ويظل البعض المتبقي في دور المراقب المنتظر النتائج!
فلماذا حصلت غزة على كل هذا الاهتمام الدولي والإقليمي والمحلي؟ ومن أين تسمد غزة أهميتها؟
لا شك أن عدة عوامل _جغرافية، سياسية ، تاريخية، إستراتيجية، أيديولوجية، حسابات امن قومي، _ تتفاعل مع بعضها البعض، تجعل من غزة جزءا من تلك العناصر كلها، وتجعلها رابط هام تحاول بعض القوى الدولية والإقليمية أن تجعله نجما يدور في فلكها.
فتاريخيا، غزة كانت محطة هامة للمصريين حيث لم يكن بالاستطاعة طرد الهكسوس من مصر، إلا إذا تم طردهم من غزة التي كانوا يتمركزون فيها –عندما يتم إجلائهم من مصر_ ويعيدون الغزو لمصر من جديد، وبحسابات الأمن القومي،هي الآن بوابة هامة للأمن القومي المصري، والتنسيق بين مصر وبين قيادة غزة يعتبر ضرورة مصرية ، وأولوية هامة مهما كان شكل ونوع النظام الذي يحكم مصر. والقوات الإسرائيلية لا تفرق عند دخولها بين غزة سيناء، فكلها أراض عربية مستباحة، تسعى لاحتلالها كما حاولت أثناء العدوان الثلاثي على مصر وغزة عام 1956، وحرب 1967 التي احتلت فيها دولة الاحتلال سيناء بالكامل وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
وقطاع غزة كجزء من فلسطين تعتبر مكونا أساسيا من الأمن القومي الغربي، حيث أوروبا والولايات المتحدة التي كانت سببا في إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي، تعتبرها امتدادا حضاريا واستراتيجيا وعسكريا لدولهم، ورأس حربة للمشروع الكولونيالي الغربي، و"دولة حاجز" ضمن معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، لذا، يحرص الاتحاد الأوروبي على استمرار الدعم للفلسطينيين وعدم توتير المشهد الفلسطيني لكي تظل معادلة الأمن مستقرة، وحتى لا تنزلق الأوضاع إلى فلتان، وتظل "إسرائيل" آمنة. وقد دل على ذلك الاجتماع الأخير لسفراء (إسرائيل) في أوروبا حيث أكدوا أن انهيار السلطة الفلسطينية يعد خطرا وتهديدا لأمن (إسرائيل).
وغزة تعتبر أهم في حالة التصعيد وحالة الحرب التي لا يعرف نتائجها أي من الدوائر الإسرائيلية ولا الغربية.
وخاصة بعد أن تحققت معادلة " توازن الرعب" بين القطاع وبين " إسرائيل" برغم التفوق العسكري التقليدي والغير التقليدي لـ ( إسرائيل). وبات لقطاع غزة "درع وسيف"، وأصبح "الكف ينتصر على المخرز" ضمن معادلات الصمود والثبات ومعرفة الحقوق الوطنية الفلسطينية. وقد أصبح للمرة الأولى هناك جيش " القسام" بإمكانياته المتواضعة التي أثبتت تقدم كبير ووطنية اكبر وانتصار عند الامتحان، الأمر الذي لا تمتلكه دول عربية كبيرة، ارتهن قرار قياداتها بالمنظومة الغربية ودول الاعتدال العربي الغير معادية لـ ( إسرائيل). وبرغم ان تلك الدول لا تشعر بالراحة من توجهات قيادات غزة ومواقفها الإيديولوجية، _خوفا على خسارة تلك الدول للحكم إذا ما طبقت واحترمت نتائج الديمقراطية_ إلا أنها لا تستطيع أن تتجاوز الهجوم اللفظي على غزة، لان غزة لها خصوصياتها، ويحسب لها أمام الشعوب أنها ثاني جهة عربية تضرب " تل الربيع" المحتلة بعد الزعيم العربي صدام حسين، وأنها صمدت أمام عدة حروب ولم تسقط. وقد حصلت غزة على اكبر تعاطف دولي بشكل غير مسبوق، رغم مواقف بعض الدول التي تعثر فيها الربيع العربي مؤخرا.
من ناحية أخرى، أعطت غزة بأهميتها رصيدا ومرتكزا إضافيا لنظامها الحالي، فان القيادات، وخاصة العسكرية والأمنية في قطاع غزة، وسياسة حسن التدبير أعطت أهمية لغزة نفسها. وقد وضح للرأي العام العالمي بان من يحكم غزة ليسوا متطرفين، كما تدعي القيادات الإسرائيلية، بل قيادة مدنية تهتم بأمور الدنيا وحياة المواطنين ، وتسعى للحكم الرشيد المدني القائم على القانون والنظام. وقد وضح أيضا تأييد الرأي العام الغربي في مواقف البرلمان الأوروبي بأنه داعم لخيارات الشعب الفلسطيني، وقد أعطى توصيات بضرورة احترام خيارات الشعب، وإشراك حماس في الحكم واحترام نتائج الانتخابات السابقة، وأيد جميع القرارات التي تنصف الحقوق الفلسطينية. وكان سببا في اتخاذ إجراءات عقابية ضد ( إسرائيل) بخصوص منتجات المستوطنات، بغض النظر عن مواقف المفوضية الأوروبية التي لها أجندة خاصة قد تتعارض مع المبادئ والقيم.
في قطاع غزة، يجب إعلاء صوتنا في جميع المحافل منددين بالحصار، ويجب أن لا نخشى أي خطر، لأننا نملك شرف الدفاع عن أنفسنا، فغزة مهمة للجميع وملف المصالحة يجعل القوى الإقليمية وخاصة العربية تتسابق من اجل إحراز نصر وتقدم فيه، ذلك من اجل إثبات قدرتها أمام شعوبها بان لها سياسة خارجية نشطة وناجحة، وهذا ما سيفعله النظام المصري قريبا لأنه يدرك بان القضية الفلسطينية من أولويات اهتماماته في المنطقة.