نظمت المكتبة العلمية في القدس وباستضافة المركز الفرنسي الألماني في رام الله ، ندوة للكاتب والناشط ميكو بيليد صاحب كتاب "ابن الجنيرال-رحلة اسرائيلي في فلسطين"، بحضور عدد كبير من القراء المتابعين للكاتب، والذي جلب اهتمام الحاضرين بأسلوبه، إذ يعتبر كتابه أحد اشهر وأهم الكتب التي يعرض فيها الكاتب جانباً مخفياً من نشأة الطفل ثم الشاب الإسرائيلي في كنف والد عمل جنرالاً في الجيش الإسرائيلي في فترات مختلفة ومهمة عسكريا في تاريخ دولة اسرائيل.
وجاء بيلد في سبيل حديثه عن المفاوضات (الاسرائيلية – الفلسطينية) بان لا جدوى من هذه المفاوضات التي لم تعد على الفلسطينيين إلا بمزيد من الخسائر وعلى الاسرائيليين بمزيد من الكسب، وعلى الفلسطينيين أن يتخلوا عن هذه المفاوضات وإقامة ضغط داخلي يتدخل فيه أطراف خارجية كما حصل في أفريقيا الجنوبية لحل الصراع والتمييز العرقي. فقد اكد ان التاريخ يعلمنا ان الطرف القوي ابدا لا يتنازل عن منح الامتياز طوعيا بل يجب الضغط عليه بكل السبل لفعل ذلك.
وبدأ بيليد حديثه عن عدم فهمه للادعاءات الإسرائيلية التي تجعل للإسرائيليين الحق في الاستيطان في فلسطين، إذ يبني اليهود أحقيتهم هذه على أساس أنهم عاشوا في فلسطين قبل ثلاث آلاف سنة من الآن، فيما مازال الفلسطينيون يذكرون اليوم الذي أخرجوا منه من أراضيهم، قبل خمس وستين سنة! وتسائل الكاتب عن منطق هذا الادعاء والذي يؤكد على ان الفلسطينيين هم الاحق في امتلاك الارض بدون ادنى شك.
بيليد الذي ولد في القدس لأب وأم إسرائيليين وعاش فيها طويلاً، لم يلتقِ بأي فلسطيني على صعيد شخصي إلا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000، حين تعرّف ضمن مجموعة دراسة على عدد من الشباب الفلسطيني الذين تأثر كثيراً في آرائهم وعرف أكثر عن ظروف حياتهم الصعبة تحت الاحتلال، وأصبح ناشطاً حقوقياً منذ ذلك الحين، يدعم الفلسطينيين في عدالة قضيتهم.
كما روى الكتاب رحلته الشخصية من كونه صهيونياً، إلى داعية صريح للسلام ومؤيد لحل الدولة الواحدة ثنائية القومية. وقد تحدث خلال فصل طويل من الكتاب عن والده الجنرال الاسرائيلي الشهير "ماتي بيليد" الذي رغب بالتوصل إلى حل الدولة الواحدة، يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون معاً، إلا أن اقتراحه قوبل بالرفض من الدائرة العسكرية والسياسية بشدة، خاصة أن إسرائيل في تلك المرحلة قد كانت في أوج قوتها بعد احتلال كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأشار بيليد إلى الظروف التي نشأ خلالها والتعليم الذي تلقاه، إذ كان دائماً يقال له أن الحروب التي قامت بها إسرائيل لم تكن إلا دفاعاً عن نفسها، قائمة على البطولات الفردية والجماعية، وهو ما درسه بيليد وغيره من اليهود في المدارس الإسرائيلية. أما حالياً فهو مدرك إلى حقيقة هذه الأكاذيب التي أدّت إلى التطهير العرقي والقتل الجماعي والمجازر المتكررة.
وفي تعليقه على كون إسرائيل دولة "ديمقراطية"، قال انه لا يعتبرها كذلك كونها لا تمثل عدداً كبيراً من السكان الفلسطينيين، إذ أصبح عدد الفلسطينيين والإسرائيليين حالياً متساوياً تقريباً، ان لم يكن عدد الفلسطينيين اكثر. فإذا كانت إسرائيل تتجاهل وجود هذه الفئة من السكان، فكيف يمكن اعتبارها دولة ديمقراطية بدون تمثيل سياسي لما هو اكثر من نصف السكان؟
ويعتبر بيليد أن النكبة الي حصلت عام 1948 نكبة مستمرة حتى الان، فما حصل في ذلك العام مازال يحصل حتى الآن من قتل وتهجير وتجريف للأراضي وهدم المنازل وتهجير سكانها. كما أن المخيمات مازالت تعاني من نقص في التعليم ونقص في الأدوية، إضافة إلى وجود عدد كبير من الأسرى، ناهيك عن الوضع المأساوي والحصار المستمر في غزة.
وفي ردّه على سؤال حول رأيه في دعم المجتمع الدولي لإسرائيل، قال بيليد إن هذه الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية تخضع لضغوط كبيرة حتى تقف في الجانب الإسرائيلي، وأن هذا الدعم لا شك ستفهمه الشعوب وتقف ضده. كما أن دعم بعض الدول للفلسطينيين ينمو ويزداد، وسيدفع ذلك إلى ازدياد الضغط على المجتمع الدولي لدعم القضية الفلسطينية خصوصا من خلال المقاومة الشعبية الاسبوعية وحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات المعروفة بأسم "بي دي اس" والتي اكد على انها من الطرق الناجحة لدفع اسرائيل للهزيمة. واكد ان الحل لن يكون سوى بتكاثف الضغوط الدولية على اسرائيل لتصل الى مرحلة لا تجد لها بديل الا بوقف الاحتلال واعطاء الحقوق الديموقراية لجميع السكان.
يذكر ان كتاب ابن الجنرال قد نشر في الولايات المتحدة الامريكية ، وقد لاقى نجاحا منقطع النظير في اوساط المؤرخيين السياسيين المتابعيين لشؤون الشرق الاوسط، وهو متوفر في فلسطين من خلال المكتبة العلمية في القدس.
من الجدير ذكره ان اخت الكاتب ميكو بيليد هي المحاضره في الجامعة العبرية نوريت بيليد، وهي ايضا ناشطة سلام اسرائيلية وباحثة في منهاج التعليم الاسرائيلي وكيف يتم عرض قضية فلسطين والانسان الفلسطيني في المناهج التعليمية الإسرائيلية – ولها في ذلك كتاب نقدي مهم نشر عن دار أي بي تاورس الاكاديمية اللندنية وتم ترجمتة للعربية مؤخرا. وهي ايضا والدة القتيلة الطفلة سامادار والتي قتلت في عملية تفجيرية في شارع يافا عام 1997، وكانت قد شغلت الاعلام الاسرائيلي في حينها لتحميلها مسؤولية وفاة ابنتها للحكومة الإسرائيلية.