خُطةٌ أميركيةٌ ترمي إلى شطبِ القضيةِ الفلسطينيةِ بِرُمَّتِها، حقُّ العودةِ، والقدسُ،ودولةٌ ذاتُ سيادةٍ جميعُها باتت سراباً بعيدَ المَنالِ، ضِمنَ مفاوضاتٍ عقيمةٍ امتدّت عَقدَين, مصرُ تلك الدولةُ العربيةُ العتيدةُ تشغلُها ساحتُها الداخليةُ، بعدما سانَدتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ، والاحتلال في إحداثِ انقلابٍ عسكريٍّ، لا يزالُ يَسدُلُ ستائرَ الظلامِ على مستقبلِ مصرَ الغامضِ، ضِمنَ منظومةٍ عسكريةٍ جديدةٍ، لم تعرفْ لها منطقتُنا سابقةً من قبلُ.
ادّعت أميركا والغربُ المنحازُ لها أنهم دُعاةُ ديمقراطيةٍ، حتى إنهم غزوا بلداً كالعراقِ لِفرْضِ هذه الديمقراطيةِ المزعومةِ، وسقط هذا القناع عن وجوهِ الدكتاتوريةِ العالميةِ، التي تسعَى لها أميركا، إلا أنها لا تزالُ تنتهجُ النهجنفسَه، لكن بأيدٍ عربيةٍ.
فقضَتْ على حُكمِ الإخوانِ، مَع نتاجِ ما ترتّبَ على صندوقُ الاقتراعِ بمصرَ، إذ كان الأولَ في عهدِها، وقتلتْ ديمقراطيةَ شعبٍ أرادَ الحياةَ والخروجَ من تحتِ عباءةِ العسكرِ.
وليبيا وما ترتّبَ على تدخل أميركا من اشتراكٍ عسكريٍّ، وإنْ كان بمُسمَّياتٍ أخرى، قضى على حِقبةِ القذافي، ليس حُباً في شعبِ ليبيا، وليس طلباً للديمقراطيةِ؛ بقَدْرِ ما اقتضتْه مصالحُها ومصالحُ الاحتلالِ.
وسوريا التي باتتْ خراباً ودماراً، والإنسانُ فيها يموتُ جوعاً وقهراً، في عصرِ الحضارةِ والتقدمِ، وما تدَّعيهِ المؤسساتُ والدولُ من تمسُّكِها بشيءٍ اسمُه حقوقُ الإنسانِ.
لبنان وما فيها من قلاقلَ، وما يجري فيها من تصفيةِ حساباتٍ، بعدما باتت ورقةُ حزبِ اللهِ باهتة بعد إلهائها بما يدورُ في سوريا.
باتت المنطقةُ بأسرِها ملعباً ومرتعاً لـ(الموسادِ الإسرائيلي)، يتركُ فيه العربَ لقتالِ بعضِهم بعضًا، والقضاءِ على قواهم وترسانتِهم بأيديهِم، دونَ تكلفةٍ ماديةٍ أو بشريةٍ للاحتلالِ، فهناك من يموِّلُ وينتظرُ الأوامرَ لتنفيذِها.
تونس وما تعانيهِ من قلاقلَ؛ نتيجةَ وصولِ الإسلاميينَ إلى الحُكم بنتاجٍ ديمقراطيّ, وما سعتْ إليه قيادةُ الاحتلالِ من إثارِة الفوضى في تركيا لزعزعةِ حُكمِ أردوغان.
وغزةُ تلك بقعةُ المقاومةِ العنيدةِ، التي لا تزالُ تقارعُ الاحتلالَ، وترفضُ الهوانَ، مع ما تعانيهِ من حصارٍ مشدَّدٍ، أصبح الاحتلال المتفرِّجَ عليهِ، إذ يقومُ الأشقاءُ بما يترتبُ عليهم، بل ما يريحُ الاحتلالَ من تَوابعِه الدوليةِ والإعلاميةِ، حتى التكلفةِ الماليةِ، فهناك من يقتلُ غزةَ نيابةً عنه دونَ خجل.
كلُّ ما سبقَ كان بتمويل خليجي، ولا يزالُ في تَوافقٍ شيطانيٍّ غريبٍ بينَ العديدِ من الدولِ العربيةِ والاحتلالِ برعايةٍ أميركيةٍ.
اليومَ الساحةُ فارغةٌ تماماً أمامَ الاحتلالِ؛ لِشطبِ القضيةِ الفلسطينيةِ، وانتزاعِ توقيعٍ رسميٍّ من القيادةِ الفلسطينيةِ، التي يعترفُ بها الاحتلال والولاياتُ المتحدةُ،التي تفرضُها على العالمِ بأسرِه، مع غيابِ الشرعيةِ الحقيقيةِ عنها، ومع ذلك لا تزالُ تستخدمُها أداةً لتمريرِ مشروعِها لتهويدِ فلسطينَ، وإبقاءِ المستوطناتِ جاثمةً على صدرِ الأرضِ الفلسطينيةِ؛ لتخنقَ ما تبقّى من فُتاتِها، وتطلقَ عليه اسمَ دولةٍ فلسطينيةٍ، يربطُها قطارٌ يمرُّ تحتَ نظرِ ورحمةِ الاحتلالِ؛ ليصلَ بين أطرافِ هذه الدولةِ الوهميةِ، التي يَعِدونَنا بها.
كلُّ يومٍ تَظهرُ ضمنَ وسائلِ الإعلامِ ما يُطلَقُ عليهِ تسريباتٌ أميركيةٌ، لا أظنُّها تحملُ من اسمِها شيئاً صادقاً، بقَدْرِ ما هي تمريرُ مخططاتٍ تسعَى لجسِّ نبضِ الشارعِ الفلسطينيّ والعربيّ، والتخفيفِ من حدّةِ الاعتراضاتِ التي يمكنُ أنْ تواجِهَ هذا المشروعَ التصفَويَّ للقضيةِ الفلسطينيةِ.
من جهةٍ أخرى نسمعُ بين الفَينةِ والأُخرى اعتراضاتٍ من فريقِ التفاوضِ الفلسطينيّ، ومن العديدِ من متحدِّثي السلطةِ على خُطةِ كيري، والمشروعِ التهويديّ لفلسطينَ، ومع هذا لا تزالُ المفاوضاتُ مستمرةً دونَ توقّفٍ، أو التلويحِ بقطعِها في حالِ استمرَّ كيري بالنهجِ نفسه الذي يتَّبِعُه في إدارةِ التفاوضِ بين الطرَفينِ السلطة الفلسطينية والاحتلال.
الاحتلال من جهتِه مع كلِّ ما يقدَّمُه كيري في خُطتِه يعلنُ رفضَه كثيرًا من النقاطِ، ويسعَى إلى إذابةِ أيِّ التزامٍ تُجاهَ الفلسطينيين.
غابت القدسُ، وشُطبتْ من القضيةِ،والمستوطنات باقيةٌ، ولا عودة للاجئينَ،ولا دولة ذاتَ سيادةٍ حقيقيةٍ،ولا انسحاب من غورِ الأردنِ، وهناك رقابةٌ أمنيةٌ وإنذارٌ مبكّر، وإشراكٌ أميركيّ يحفظُ أمنَ الاحتلالِ.
لا فلسطين بعدَ ذلك،ولا قضية تثارُ في المؤسساتِ الدوليةِ ذاتِ العلاقةِ،ولا تفاوض جديد، ففلسطينُ تنتظرُ فقط توقيع أوراقِ ذبحِها من الوريدِ إلى الوريد، تنتظرُ قتلَ قدسِها، وبناءَ هيكلِهم، وتهجيرَ سكانِها، ومبادلةَ صحراءَ جرداءَ بأراضيهِم.
ماذا بعدَ هذه المفاوضاتِ القاتلةِ؟!، حيثُ ما عاد لكلمةِ "مفاوضاتٍ عقيمةٍ" معنى، إنها المفاوضاتُ القاتلةُ التي يسعَى الاحتلالُ لفرضِها علينا، ضِمنَ قيادةٍ فلسطينيةٍ سمحتْ لنفسِها بِحَملِ سكينٍ، تقطعُ بها شرايينَ الوطنِ، تحتَ مُسمَّى "سلام".