آه يا شعب فلسطين، أيها الشعب الصابر المرابط المحتسب، فكم من الجرائم والخطايا قد ارتكبت وترتكب بحقك وحق قضيتك طيلة العقود المنصرمة، ولعل أكثرها عهرا وتسويفا وتمييعا واطولها زمناً على الإطلاق ذاك الإصرار والعناد على استمرار نهج التسوية وما رافقها من مفاوضات عبثية قد حقق فيها العدو الصهيوني أجندته ومارس خلالها شتى أساليب الظلم والمكر والخداع والمراوغة فقضم خلالها من أرض الضفة ما قضمه واتسع استيطانه وازداد تهويده للمقدسات العربية والإسلامية وأقام الجدار العازل الذي فتت به أوصال مدن الضفة الصامدة وقراها وقيد حرية وحركة أبنائها، وأحاطها بطرق التفافية ماكرة، فترسخت أقدامه وبات ينتظر قطف ثمار قبول الاعتراف الفلسطيني بالأمر الواقع!!.
كنتُ مؤمنا تمام الإيمان إن مسؤولية قيادة شعب محتل مسؤولية عظيمة وجسيمة، يحاسب الله من تصدى لها وأخفق بحق أبناء شعبه سواء عن جهالة وسوء تدبير أو سوء نية، وفي كلتا الحالتين "عمدا أو سهوا" فإن المسؤول ذاك سيقبع في مزابل التاريخ ملعونا مذموما حتى قيام الساعة، ومن هذا المنطلق، فإنني وبفخر شديد كنت قد سخـّـرت فكري وجنـّـدت قلمي لمقارعة نهج الاستسلام ووقفت بالضد من نهج السلطة الفلسطينية التي قادت القضية نحو التسويف والتمييع والمجهول، ولطالما تبنيت بحمدالله وتوفيقه خطابا صارما ناصحا ضد ممارسات وخطى ونهج الرئيس محمود عباس لتمسكه منذ أوسلو وما تبعها من مؤتمرات بخياره الاستراتيجي ذاك، واستهجنت عزوفه العنيد عن إطلاق يد أبناء فلسطين للتعبير عن حقهم في مقاومة الاحتلال وبشتى الصور والسبل المتاحة، وكنت أرجو الله العزيز القدير أن يحسن إلينا بتحقيق أحد هدفين نبيلين:
1- إما أن يستفيق السيد عباس يوما من وهم عاشه طويلا ويعلن عن إيقاف نهج التسوية وأن يعود لصلب مبادئ حركة فتح التي انطلقت منتصف ستينات القرن المنصرم لتحقيق أهداف وطنية سامية.
2- أو أن يعلن عن استقالته وتخليه عن قيادة حركته وبالتالي عن السلطة ليأتي رمز آخر مشهود له بالنزاهة والوطنية والإرادة الصلبة وحب فلسطين ليستلم المهمة ويكمل مشوار تحقيق أحلام أبناء فلسطين ويأخذ بثأر شهدائها الأبرار!!.
كلنا بات يعلم تماما بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي (شارف على الثمانين من عمره) يمر هذه الأيام بأصعب فترات أيام قيادته للسلطة الفلسطينية، لاسيما في ظل فشل مفاوضات عبثية متعثرة أقحم نفسه فيها إقحاما لا مبرر له وعطل قدرات شعب فلسطين الخلاقة عن أداء دوره، لتحقيق أحلامه المشروعة في حياة حرة كريمة أسوة بشعوب الأرض، في وقت ضاقت بشعب فلسطين الأسباب جراء فشل الحوار الوطني الفلسطيني ورأب الصدع وتوحيد الصف، حيث سيقت حجج واهية واتهامات متبادلة داست بخطاها على أحلام وتطلعات شعب مجروح أدمته جراح الحروب والحصار والخيانة والمنازعات والمناكفات والصراعات على السلطة والمغانم والمناصب، وتاجرت بمعاناة أطفال والآم أرامل وثكالى وعجائز، ورغم أنني قد نوهت آنفاً عن جـُلِّ أمنياتي بتحقيق احد خيارين نبيلين يقدم عليهما السيد أبومازن إنقاذًا لمسيرة القضية الفلسطينية وتخفيفا لآلام شعب فلسطين، غير أنني بالمقابل، ما تمنيت على الإطلاق أن يأتي يوم يحل شخص آخر في قيادة السلطة الفلسطينية يحمل مواصفات وتاريخ شخص كالمدعو محمد دحلان، تلك الشخصية المثيرة للجدل والريبة، صاحب الطموحات والأحلام الوردية العريضة بأن يكون رئيساً لفلسطين، بأي شكل ومن أي باب مريب ينفذ منه، حتى وإن كان على حساب الوطنية والثوابت الفلسطينية وعبر الدسائس والمؤامرات والتنسيق مع الكيان الصهيوني وأمريكا، ولازالت عبارة جورج بوش الابن تدوي في أذني حين أعجب به يوماً فقال"هذا الفتى يعجبني!!"، والإعجاب الأمريكي لعمري كما يعرف الجميع له ثمن فادح وأبعاد وتداعيات يسترنا الله تعالى منها، وها هي الأنباء المتواترة، تنقل إلينا أن تيار محمد دحلان بدأ بالتحرك الحثيث من أجل القفز على قيادة السلطة الفلسطينية مع تصاعد الوعيد الامريكي المبطن لاحتمال فشل المفاوضات مع اسرائيل، وأن القيادي الفتحاوي المفصول يمول أنشطة عديدة في الضفة الغربية من بينها نشاطات "مليشيات" في مخيمات اللاجئين في الضفة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد اتضحت صورة تلك التحركات "الدحلانية" الخبيثة وبانت أهدافها بشكل أكثر وضوحا حيث نقلت إلينا صحيفة (معاريف) العبرية بأن رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو يأمل بأن يتولى محمد دحلان رئاسة السلطة الفلسطينية خلفاً لمحمود عباس، وأنه قد أوفد مبعوثه الخاص، المحامي يتسحاق مولخو، للقاء دحلان المقيم في دبي والتنسيق والتشاور معه، وأنهما قد التقيا هناك أكثر من مرة!!.
تساؤلات أطرحها بألم وخوف شديدين:
هل أن شعبنا الفلسطيني قد دخل في مرحلة اللاوعي حتى يرتضي بخنوع أن تـُستبدل قيادة للسلطة كانت قد تمسكت طويلا بخيار تسوية مهلهلة سهلت للعدو الصهيوني ترسيخ أقدامه بقيادة أخرى (مسنودة جهارا نهارا من قبل حكومة تل أبيب) يرأسها دحلان تكون من تداعياتها القضاء تماما على ما تبقى من أحلام شعب فلسطين وتطلعاته، كما تشير الأنباء!؟.
وإذا كان الرئيس محمود عباس قد ساهم بشكل أو بآخر بتهميش وتحجيم دور (م ت ف) والانقسام المعيب في الصف الوطني والتفرد في القرار الفلسطيني وإضعاف كبير لحركة فتح والتمسك بمفاوضات عبثية مكنت الكيان الصهيوني من تحقيق اجندته بالتوسع والتهويد، وتنسيق أمني مع قوات الاحتلال كان ثمنه تعطيل إرادة الشباب الفلسطيني التواق لأداء دوره النضالي، فهل أن وصول محمد دحلان لرئاسة السلطة الفلسطينية سيسهم بإعادة الروح لمنظمة التحرير الفلسطينية ويحقق تقويما لمسيرة ونهج السلطة الفلسطينية وصولاً بالتالي لإعادة حقوق شعب فلسطين وتحقيق أحلامه السليبة!؟.
أخيرا وليس آخراً... أين دور الكوادر الفتحاوية الأصيلة التي مازالت تؤمن بخط (فتح العاصفة) وتكن احتراما وتقديرا وإجلالا لقادة فتح الأوائل ولشهداء مسيرتها الطويلة وترفض الانبطاح أمام العدو الصهيوني وإملاءاته من كل ما يجري في المشهد الفلسطيني!؟، ثم وما دور الفصائل والحركات الوطنية الفلسطينية الأخرى إزاء ما يحاك ويدبر!؟.
أترك الإجابة لأبناء فلسطين الغيارى ولكوادر فتح وجميع الفصائل والحركات الفلسطينية ليجيبوا عن تساؤلاتي تلك.
قال الله تعالى في محكم آياته: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" ... ( الأنعام: 123).