تشهد العلاقات التركية الايرانية نقلة نوعية، في أعقاب زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الإيرانية طهران، التي أجرى خلالها محادثات مع المسؤولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني.
ولعل ما يُميز هذه الزيارة أنها ستساهم في تلطيف وتحسين العلاقات بين البلدين، وسُتعيد الاعتبار لدور تركيا في المنطقة باعتبارها لاعباً أساسياً ورقماً لا يمكن تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط، وقد تشكل نافذة آمنة وبداية حل للازمة السورية نتيجة الوقائع المستجدة في المنطقة.
ومن هنا فإن الانفتاح التركي الكبير على إيران يدلل على الأهمية التي توليها تركيا لعلاقتها مع إيران، وهذا ما عبر عنه "اردوغان"، بوصفه ايران بـ "منزله الثاني"، معرباً عن ارتياحه العميق لنتائج الزيارة التي وصفها بالإيجابية، كون المباحثات الثنائية بين المسئولين الأتراك والإيرانيين تركزت حول التجارة والطاقة، إضافة إلى التعاون في المجال الاقتصادي، حيث تهدف حكومة أردوغان لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2015 إلى 30 مليار دولار.
ليس ثمة من ينكر، بأن تركيا وإيران تُعدان من أهم الدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، لما يتمتعان به من موقع استراتيجي، ومكانة اعتبارية بين دول المنطقة، لذلك فمن الطبيعي أن تُبنى العلاقات بينهما على قاعدة الابتعاد عن حافة الصدام، وإيجاد حل للخلافات العالقة بينهما، خاصة وأن النظام الشرق أوسطي الجديد، محكوم بالتوافق الايراني التركي، بكونهما امتداداً للنظام الاسلامي المرتبط بالإرث التاريخي للطرفين ..
المتابع لسير العلاقات التركية الايرانية يلاحظ أن العلاقات بين الجانبين، وُصفت قُبيل زيارة اردوغان لطهران بأنها "ليست حميمة ولا عدائية"، وإن كان قد طرأ عليها بعض التوتر نتيجة التباين الواضح في المواقف السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية، ومن المرجح أن يزداد التعاون والتقارب أكثر بين البلدين في الفترة المقبلة .
وانطلاقاً من هذه المعطيات يرى المتابعون للعلاقات التركية الايرانية، بأن تركيا أيقنت تماما أنه لم يكن بالإمكان تعزيز مكانتها في المنطقة بالقوة العسكرية، وأن الموازين على الارض اختلفت بعد احراز تقدم ميداني وسياسي للحلف الداعم لسوريا على حساب المعارضة وحلفائها، لذلك كان لابد لأنقرة ان تغيّر من خطابها، وتُعيد صياغة حساباتها وأولوياتها الجيوسياسية وفق المتغيرات الدولية والإقليمية الجارية في المنطقة.
ويرى بعض المحللون أن التقارب التركي الإيراني يعد تحولاً استراتيجياً خطيراً في المنطقة بأسرها، إذ إن التقارب بين طهران وأنقرة جاء في ظل رفع الضغوط الأوروبية والأميركية على إيران خلال الفترة الماضية، مما دفع تركيا إلى أن تتحرك سعياً وراء بناء علاقات مع طهران تقوم على لغة المصالح، وفرض وقائع جديدة في منطقة الشرق الأوسط .
ثمة من ينظر إلى التقارب الإيراني التركي في هذا المرحلة، من منظور آخر، ويعتبره تحولا صادماً، من منظور التقديرات العربية، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الدولتين لديهما أطماع توسعية وسيادية على منطقة الشرق الاوسط، ما يجعل بعض الدول العربية، تشعر التوجس والريبة من هذا التقارب .
ربما نلتمس العذر لمن ينظر بهذا المنظور، كون التفاهم الايراني التركي قد يحمل رؤي جديدة متناغمة لهيكلية النظام الإقليمي المحتمل في الشرق الأوسط، وبالتالي فإنه من البديهي أن يكون للعرب دور في النظام الاقليمي الجديد الذي يفترض أن يضم إيران وتركيا، إضافة لمصر الحريصة علي أن تكون قوة فاعلة وقائدة إقليمية.
ضمن هذا كله، تبقي الدول العربية عاجزة عن معارضة أو منع التقارب الايراني التركي في ظل غياب المشروع العربي القادر علي تأسيس كتلة عربية متماسكة وقادرة علي التنافس مع القوي الإقليمية القادمة لحماية مصالحهم وأهدافهم، لكن، وحتي الآن، من الصعب الحديث عن قبول مصر الدخول في حلف إيراني تركي ضمن إعادة هندسة أوسع لخريطة توازن قوي، وخرائط التحالفات والصراعات الإقليمية.
ختاماً يجب الإشارة إلى أن التقارب الإيراني- التركي بحاجة ماسة إلى بناء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، خاصة مع "مصر" باعتبارها قلب العروبة النابض، مما يعني أنه يستوجب القادة الجدد لمصر الثورة التعامل بجدية مع ما يحدث من تحولات في المنطقة، ومن غير المستبعد أن يكون التناغم الحالي بين طهران وأنقرة بداية تأسيس هذا التحالف، خاصة إذا ما آخذنا في الاعتبار حاجة "مصر" للانضمام لتحالفات جديدة داعمة لسياساتها وتوجهاتها المرتقبة .