إن قضية الصراع العربي _ الصهيوني، ولا أقول الفلسطيني _ الصهيوني فقط، من أعقد قضايا العصر، وهنا السؤال اين مكانة العرب في عالم اليوم ونحن نرى تطورات غير مسبوقة في المنطقة .
وامام كل ذلك هل من المعقول اين يكون مصير الشعب الفلسطيني المشرد والمحتل داخل وخارج فلسطين، ان يأخذ في نهاية النضال حكم انتقالي او مشروع انتقالي ، وهل يرضى باحتلال جديد برضى فلسطيني تحت اسم قوات الناتو ، وهل يجوز ان يتخلى هذا الشعب العظيم المناضل والمكافح عن حق العودة والقدس ، هذه القضايا برسم الدول العربية اولا ومن ثم برسم المجتمع الدولي ، ونحن نقول بكل وضوح ان الشعب الفلسطيني صانع المعجزات لم ولن يرضى الا بحقوقه المشروعه والعادلة.
ان مشروع الاطار الانتقالي الذي يحمله كيري يشكل كارثة وطنية بما يجري الحديث فيه عن القدس الكبرى حيث يمكن ان تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، في "ابو ديس" وليس في القدس التي احتلت عام 1967 والامر الثاني يدعي الى التخلي عن حق العودة نهائياً والاستعاضة عنه باجراءات لا تمت بصلة بالحقوق الثابتة والمشروعة للاجئين، وهي الحقوق التي لا يمكن لأحد أن يتنازل عنها او يتصرف بها نيابة عن اصحابها، وان موضوع تبادل الاراضي، هومصلحة اسرائيلية من اجل التخلص من الكثير من العرب الفلسطينيين الثابتين في ارضهم وديارهم منذ عام 1948، وطبعاً بجانب ذلك على الجانب الفلسطيني ان يعترف بيهودية دولة اسرائيل.
ان التدقيق في محتويات الاطار يكشف ان المخطط الامريكي ينسف جميع قرارات الشرعية الدولية، منذ قرار التقسيم وما تلاه من قرارات في اعقاب عدوان 1967، واخيراً في قرارات الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية غير كاملة العضوية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ان انفراد الولايات المتحدة في محاولة تسوية القضية الفلسطينية، شكل وما زال، حماية لعدوانية الاحتلال وخاصة في الأمم المتحدة عبر استخدام حق الفيتو من قبل واشنطن دفاعاً عن كيان العدو وحماية له.
يبدو أن الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الاسرائيلي تتمحور حول الألتفاف على هذه القضية من خلال تفكيكها قطعة قطعة ومعالجة كل قطعة على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي . والوسيلة تكمن في اتباع عدة خطوات ومسالك قد يكون منها طبقاً لما رشح عن الأفكار المتداوله بين أطراف المفاوضات
ورغم الجور الفاضح لهذا الاطار بحق الشعب الفلسطيني والامتهان الشديد للشعوب والبلدان العربية، ورغم انحيازه المفضوح لكيان العدو الذي ما زال مستمرا في سياسته التوسعية من خلال ابتلاع المزيد من الاراضي الى حد الغاء ما يسمى بالدولة الفلسطينية نتفاجأ بموقف فلسطيني يؤيد وجود قوات الناتو في منطقة الاغوار لمدة سنوات ، فحيث يحل على الشعب الفلسطيني احتلال استعماري جديد ، كل هذا يجري في ظل الانقسام الفلسطيني الذي يضعف الوضع الفلسطيني، وفي ظل الاوضاع العربية السيئة التي تشغل غالبية الدول العربية بقضايا داخلية معقدة، ولا شك ان الشعور بخطورة المقترحات او المخططات الامريكية، هو الذي دفع العديد من الفصائل الفلسطينيه الى ان تطلق تصريحات تحذر مما يجري وفي ظل اتساع الحراك المناهض والمعادي لسياسة واشنطن ازاء القضية الفلسطينية.
ان ما يجري هو ذر الرماد في العيون من قبل الغرب ، وخاصة ان حركة المقاطعة الأوروبية لبضائع المغتصبات الصهيونية تكتسب المزيد من الزخم على الساحة الدولية على الأقل من الناحية الإعلامية ، ورغم أنه لا يمكن اعتبار الموقف الأوروبي الجديد من سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمطالبة بمقاطعة منتجات المغتصبات الصهيونية، بأي حال من الأحوال تحولاجذريا في السياسة الأوروبية حيال كيان الاحتلال الصهيوني والانتقال إلى صف الشعب الفلسطيني، فالدعم الأوروبي للاحتلال الصهيوني الممتد من وعد بلفور إلى انتزاع الاعتراف العربي بكيان الاحتلال الصهيوني، مرورا باتفاقية سايكس ـ بيكو، وصولا إلى التمسك بأمن ذلك الكيان المحتل وحقه في الدفاع عن نفسه مبدأ، يعد أحد الثوابت في السياسة الأوروبية، وكذلك دعمه بالأموال والسلاح من مفاعلات نووية كمفاعل ديمونة الذي يعد أول مفاعل فرنسي تقدمه فرنسا لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني، وغواصات دولفين الألمانية المتطورة جدا.
ولكن بغض النظر عن زخم المقاطعة سياسيا كان أم إعلاميا أم غير ذلك، فإنه من الناحية المعنوية يعد خطوة على الطريق الصحيح بضرورة وضع النقاط على الحروف والتمييز بين ما هو متوافق مع موجبات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية وما هو متناقض كليا ومعطل لها، ومن هنا يمكن اعتبار الموقف الأوروبي من المستوطنات والمطالبة بمقاطعة منتجاتها كإجراء أخلاقي وأدبي وإنساني تفرضه طبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني، ويعبر عن رغبة أوروبية في دعم المفاوضات الجارية ، خاصة وأن الاستيطان الحاصل والمستمر في التهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة ويمنع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
ان التسويات لم تأت فجأة أو من فراغ، ولكن نقول من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ، وإن ثقافة السلام المبنية على التنازلات الذي يقوم بها بعض المطبعين مع الاحتلال لتصبح نهجا بل وثقافة يؤمن بها معظم القائمين على الأمر الفلسطيني بعد أن تم استبعاد أو تصفية كل من يعارض ذلك النهج، يجب التصدي لها وخاصة انها تتناول قضايا رئيسية من خلال التلاعب بمسميات وحدود القدس التي تم اختصارها بكلمة “القدس الشريف” الذي لا يعرف أحد معناه الحقيقي أو مدلولاته السياسيه أو حدود ذلك ، لان البعض بتفكيره ممكن ان يعني بهذه الكلمة المسجد الأقصى ، الى غير ذلك أفكار عجيبة غريبة من خلال خيارات الحل الأمريكي – الاسرائيلي لقضية القدس، اضافة الى قضية اللاجئين وحق العودة القضية اهمية لأمتداداتها التي تشمل أكثر من دولة، وأبعادها التي تغطي الشعب الفلسطيني أينما وجد في الشتات .
إنها اللحظة الأهم التي تتطلب من كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني وفي كافة أماكن تواجده رفض كافة المشاريع التي تستهدفه وعدم السماح بتمرير اي مشروع
، انها اللحظة الأكثر ملائمة كي تعود القضية الفلسطينية الى عمقها العربي، بما يعني أنه على الأحزاب العربية وقوى التحرر العربية وضع القضية الفلسطينية على جدول أعمالها حتى تتكامل جهودنا وننجح في التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني.
شتان بين المقاومة من أجل التحرير وبين الإستجداء لوقف الإستيطان ،وشتان بين من حدد بدقة معسكر العدو وأكد أن الإمبريالية الامريكية هي رأس الافعى والحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني وبين من يعتقد أن الامبريالية الامريكية يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في مفاوضات أقرب ما تكون الى السراب .
ان اي طرح يتم في هذه المرحلة الدقيقة ان كان تسويق مشروع كيري او وجود قوات الناتو في الاغوار هو حل يهدف الى تصفية القضية الفلسطنية ، مما يتطلب العمل السريع لانهاء الانقسام الكارثي والالتفاف حول المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطنية واعتماد برنامج وطني كفاحي يهدف الى إنهاء الاحتلال البغيض.
إن الثقة كبيرة بالشعب الفلسطيني بشبابه ورجاله ومناضليه في القدس ورام الله والخليل وجنين ونابلس وبيت لحم وغزة وكل قرية وحارة في فلسطين وأننا على يقين أن الإنتفاضة الثالثة قادمة لا محالة لوضع حد نهائي من اجل تغير معالم المرحلة .
إن ما يجري على مساحة الوطن العربي من قبل كانت فلسطين مركزاً فيه، ولا بدّ من تصحيح البوصلة، وتحديد المسارات، فهذا العدوّ على شفا هاوية لأوّل مرّة منذ إنشائه حتى الآن، ولذا فهم يشعلون كلّ الحرائق من حوله ليظلّ في مأمن، ولئن كانت المعركة الآن في سوريّة هي الميزان، فإن هذا يقتضي ألاّ تغيب فلسطين، في أيّة نقلة كانت، سواء أكانت لتحرير الأرض الفلسطينية من قطعان الغزاة واستعادة الحق الفلسطيني حتى تبقى فلسطين عربية .
كاتب سياسي