ما من شك بأن للشباب في كل مجتمع من المجتمعات البشرية له قوته وعنفوانه، وهي الشريحة التي تعول عليها مختلف الأنظمة السياسية والمجتمعية في العالم في سبيل حمل هم قضية بلادهم وأوطانهم على كواهلهم والمضي بها إلى بر الأمان في مختلف الخطوب والمحن الخطيرة التي تواجه بلدانهم. لكن الحديث عن الشباب الفلسطيني ومكانه في قيادة مجتمعه حديث فيه من الشجون الشيء الكبير، والمتفحص جيدا لأحوالنا يدرك أن القيادة والمسئولية في مجتمعنا باتت محصورة في فئة الشيوخ وكبار السن “مع الاحترام والتقدير لهم ولخبراتهم” وهذا حديث لا أستثني منه أحدا من أطياف وجماعات ومؤسسات المجتمع الفلسطيني.شباب فلسطين
أعتقد أن هذه النظرة للشباب نظرة قاصرة ولن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى خواتيم أعمال لن يُكتب لها التوفيق والنجاح، فالشباب وحدهم الأقدر على البحث عن مصالحهم وتحقيق طموحاتهم، ولنا في صفحات التاريخ نماذج مشرقة من نجاح الشباب في مواطن القيادة التي احتلوها، وهي نماذج- يحرص الشيوخ وكبار السن باستمرار على تعليمها للشباب- لكن حينما نُريد كشباب إعادة تكرارها يقف “الشيوخ وكبار السن” في مواجهتنا ويرتفع صوتهم اتهاما للشباب بأنهم “لا يعلمون مصلحة أنفسهم وأنهم متهورون ولا يمتلكون الخبرة”، وغيرها من المبررات التي للأسف يبدعون في الإتيان بها.
وعلى الطرف الآخر نذكر مشايخنا وأساتذتنا ومن وضعونا على بداية الطريق، بأن أسامة بن زيد الصحابي الجليل وأصغر قائد للجيش الإسلامي كان عمره ثمانية عشر عاماً فقط عندما قاد جيشا في صفوفه من كبار السن من صحابة رسول الله “صلى الله عليه وسلم”أمثال الفاروق عمر رضي الله عنه. ثم أليس من ولاه لقيادة الجيش النبي “صلى الله عليه وسلم” وقد كان كبيرا في السن. ثم إنه لما استُخلف أبو بكر، أمر أسامةَ أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول- وبالمناسبة فقد أصر أبو بكر على إنفاذ الجيش في ظل أوقات حرجة وعصيبة عاشها المسلمون بعد وفاة النبي “صلى الله عليه وسلم”-.
إن للشباب مقدرة عظيمة على الإبداع والتميز والإنجاز لصالح شعبه وقضيته، فقد قرأنا في كتب التاريخ بأن الكثير من قادة المسلمين حاولوا فتح القسطنطينية لكنهم فشلوا، وكانت ترنوا أمام ناظريهم بشارة النبي “صلى الله عليه وسلم” التي قال فيها: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”، غير أن شابا يافعا تلقف تلك البشرى وعمل لها ورباه مشايخه ووالده لتحقيق تلك اللحظات ولم يقولوا عنه إنه صغير ولا يستطيع القيام بذلك، حتى إذا ما كان في الثالثة والعشرين من عمره- كما تذكر كتب التاريخ- حقق بشارة النبي “صلى الله عليه وسلم” وفتح القسطنطينية. وأمام ذلك يمكن السؤال لشبابنا: أليس منكم من لا يستطيع فتح باب منزله إلا بإذن غيره؟؟.
يا قادة بلادنا: إن كتب التاريخ تذكر بأن محمد الفاتح حقق أعظم إنجازاته بفتح مدينة “القسطنطينية” العريقة بفضل طموحه القوى الذي زرعه فيه أساتذته، والإيحاء له بأنه البطل الذي ستفتح على يديه “القسطنطينية”، والسؤال: ماذا فعلتم أنتم للشباب؟ وهل منحتموهم الفرصة للقيادة والريادة بأنفسهم؟.
لا أرغب في الحديث كثيراً عن نماذج وأمثلة ستفتح جروحا غائرة لدى الشباب الفلسطيني، لكني أتذكر خلال زيارتي للجمهورية التركية في سبتمبر من العام 2012م ضمن وفد شبابي فلسطيني مشاهدتي لنماذج شبابية تركية مُبدعة وما كان لها أن تبدع وتشق طريقها إلا لأن قيادتها فتحت لها الباب على مصراعيه في هذا الإطار إدراكاً منها لدور الشباب في نهضة بلدانها وقيادتها.
تشرفت بلقاء شاب اسمه “مصطفى” وعمره كان 22 عاما- أي أنه أصغر مني بثمانية أعوام-، ومن خلال تحركاته أدركت بأنه يمتلك القرار، سألته عن أحوالهم كشباب، فكانت المفاجأة بأنه قيادي في حزبه- طبعا أن تكون قيادي في حزبك وأنت عمرك 22 عاما فهذا من أعظم المستحيلات في مجتمعنا، وبالتالي عليك الانتظار حتى يموت من هم في السن أكبر منك في تنظيمك أو مجتمعك أو.. أو..- المهم تحاورنا، فأخبرني أنهم في تركيا يتم إعداد الشباب لديهم على القيادة وهم في المرحلة الإعدادية، بحيث يُكتشف المُبدع والمتميز منهم ويتم إخضاعه للتدريب والتطوير في معاهد ومدارس متخصصة، حتى إذا دخل في العقد الثاني من عمره بات قادرا على القيادة في رئاسة البلدية والمحافظة وغيرها من الهيئات.
زادني الشغف من حديث “مصطفى” فقلت له: لو سلمنا جدلا انتهاء ولاية الرؤساء الموجودين لديكم “أقصد أردوغان وغول”؟ وهب أن بلادكم تعرضت لعدوان قضى على كل القيادات لديكم.؟ استوقفني قائلا: تقصد الوزراء والنواب وأمثالهم. قلت له: نعم. تبسم ضاحكا وقال: إن بلادنا فيها قيادات بفضل الله لكل المواقع من سن عشرين عاما وثلاثين وأربعين، يعني بالإمكان لدينا أن يكون رئيس البلاد عمره عشرين عاما. طبعا أنا تحولت للحديث عن موضوع آخر حتى لا أصاب بحالة نفسية نتيجة أحوال شبابنا.
أيها السادة في مجتمعنا الفلسطيني: عندما يتم ذكر النموذج التركي وتقدمه وتطوره المستمر وأنه أصبح عاشر قوة اقتصادية في العالم أنتم تتحدثون عن القشور، ولا ترغبون بقصد أو بدونه التوغل إلى الأصل والحقيقة؛ لأنها- باعتقادكم الخاطئ للأسف- تؤثر على أماكنكم. إن الحقيقة- المرة بالنسبة لكم- أن الشباب هو الأقدر على معرفة احتياجاته وما يُشبعها، وأنتم كنتم في قيادة المجتمع الفلسطيني لعقود طويلة من الزمن وحالنا كما ترون، ومعادلتنا تقول: إن وطننا كما هو بحاجة إلى صاحب الخبرة “كبير السن” منكم فهو كذلك بحاجة للشاب الذي يمتلك فكرا مبتكرا مكلل بعنفوان جميل نحتاجه في العديد من المواطن، فهل أدركنا هذه المعادلة؟ أم أن فلسطين الوطن والقضية لا تعنينا إلا بذواتنا دون غيرنا؟؟.
بقلم/ أيمن تيسير دلول
صحفي فلسطيني من غزة