يصادف العاشر من شباط لهذا العام الذكرى الثانية والثلاثون لإعادة تأسيس حزب الشعب الفلسطيني، كمحطة على طريق نضال الشيوعيين الفلسطينيين الذي امتد منذ أوائل القرن المنصرم حتى يومنا هذا في بلادنا فلسطين، نضال تعنون بمقاومة الفاشية الصهيونية في فلسطين إبان الانتداب البريطاني والتصدي لعصاباتها التي كانت تستهدف الإنسان الفلسطيني وأرضه ومقدراته، ومقاومة عمليات التوطين، وكذلك مخططات التهجير العنصرية التي استهدفت شعبنا عام 1948م، مرورا بالتصدي لكافة المخططات الرجعية التي استهدفت هوية شعبنا وقضيته الوطنية إبان التواجد الأردني في الضفة الغربية والمصري في قطاع غزة، إلى يومنا هذا حيث يمعن الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه في محاولة للإجهاز على حقوق شعبنا الوطنية مستخدما أبشع وأقذر الوسائل التي عرفتها البشرية، مستفيدا في المرحلة الراهنة من حالة الوهن العربي التي ترافقت مع حالة الانقسام الداخلي الكارثية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وما ترتب عليها من ممارسات ومواقف أنهكت شعبنا وقضيته الوطنية، وصولا إلى إهدار كرامته الوطنية، وإضعاف إرادة الصمود والمقاومة في نفوس أبنائه، وكذلك المس بمختلف مناحي حياته اليومية.
هذه المسيرة المجيدة التي سطرها رفاقنا الأوائل بالدم والتضحيات الجسام، نقشوها على جدران الزنازين وفي السجون والمعتقلات، حفروها في ذاكرة الشعب وضمير فقرائه كي لا ينسى، ولكي لا يستطيع مزوري التاريخ سرقة تضحياتهم أو طمسها، اجل انها باقية في عقول وضمائر كل الشرفاء المخلصين من أبناء شعبنا، ومن ينكرها هو جاهل بالتاريخ الفلسطيني، فقد ارتبط تاريخ حزبنا منذ الشيوعيين الأوائل بتاريخ تطور القضية الفلسطينية، حيث كان للحزب بصماته ومواقفه واجتهاداته في كل المنعطفات المصيرية التي عاشها شعبنا، فبغض النظر عن بعض الاجتهادات إن أصابت أو أخطأت، فهي في كل الأحوال اجتهادات ومواقف مناضلين دفعوا أرواحهم ومستقبلهم ثمنا لها دفاعا عن الشعب والوطن، وحملوا مشاعل التحرر من اجل القضية الفلسطينية في زمن شحت ساحتنا من الفعل الوطني الواعي والمنظم، وهناك من راهن وساوم وتخلف عن فهم ضرورات النضال ومتطلباته كي يساعد شعبنا في التخلص من نير الاستعمار، وتمهيد الطريق نحو التحرر والاستقلال الوطني.
هي مسيرة المناضلين الشرفاء الذين صانوا أهداف شعبهم بكل مبدئية، وتجرعوا مرارة كل المراحل دون تراجع أو انكسار.. مسيرة من لم تلوث أيديهم بدم أبناء شعبهم، ولم يتاجروا بمعاناته وآلامه.. مسيرة من قدموا الحقائق كما هي للجماهير بعيدا عن المزايدة أو المغالاة أو التزوير، ولم يدعوا يوما أنهم فوق الشعب أو مصالحه، بل اعتبروا أنفسهم خداماً لهذا الشعب الذي يستحق الأفضل دائما، فأبدعوا في الدفاع عن قضاياه رغم تقصيرهم أحيانا، ودافعوا بشراسة عن المشروع الوطني رغم محدودية إمكانياتهم، وحملوا مشاعل التنوير والتقدم رغم بطش الظلاميين الجسدي والمعنوي، وكانوا الأحرص على وحدة شعبنا قولا وعملا، ولم يكونوا باطنيين في مواقفهم .. كانوا وما زالوا الأشد حرصا على وحدة قوى اليسار الفلسطيني من اجل رافعة وطنية واجتماعية فاعلة لتحقيق أهداف شعبنا السياسية والاجتماعية.. هم الأحرص -أقولها بمليء الفم وبرأس مرفوعة- على توحيد قوى اليسار الفلسطيني، لأننا من اثبت عمليا مع كافة قوى اليسار في بلادنا بأننا جادون بقوة من اجل انجاز هذا الهدف السامي والنبيل باعتباره ضرورة وطنية، في حين تخلف وتراجع الآخرين بمبررات وحجج واهية، واليوم يثبت حزبنا من جديد انه يسير على ذات الطريق وصولا للهدف الذي يكرس كل جهده من اجله المتمثل ببناء حزب اليسار الموحد الذي يضم فيه كافة اليساريين الفلسطينيين الطامحين لواقع فلسطيني يجسد أماني وطموحات كافة أبناء شعبنا وفي مقدمتهم الفقراء والكادحين، ويحقق للمرأة هدف مساواتها بالرجل، كما يحقق أقصى درجات العدالة الاجتماعية للجميع دون تمييز او إجحاف بحق احد .
في هذه الذكرى المجيدة نقف بكل ثبات متمسكين بأهدافنا السامية وقيمنا المجيدة، كما نقف بكل جراءة أمام قصوراتنا وأخطاؤنا التي يجب أن نعالجها بروح ثورية مسئولة لكي نستنهض دور حزبنا بفعالية اكبر، ولكي نسير بكل ثبات على ذات الأهداف والقيم التي سطرها رفاقنا الأوائل بنكهة فلسطينية أصيلة، وبعزم لا يعرف التقوقع داخل الوصفات والمفاهيم الجامدة التي عفا عليها الزمن، نريده حزبا ينطلق إلى أفاق رحبة مع كل من يشاركنا أهدافه ومبادئه ومثله السامية، نريده حزبا يتبني قضايا الجماهير بكل تفاصيلها، ولا يخشى في قول الحق وممارسته لومة لائم، نريده منارة تنوير للفكر اليساري الديمقراطي التقدمي .. نريده حزبا أكثر تسامح مع نفسه وبين أعضائه تشرع فيه سفينة المحبة والروح الرفاقية الدافئة لتصل كل هيئة وكل عضو وعضوة فيه .
في هذه الاشراقة نستذكر كافة رفاقنا الأبطال الذين وضعوا اللبنات الأولى لبناء هذا الحزب العريق، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من تجرع مرارة الإبعاد والاقامات الجبرية والزنازين والسجون ليسطروا انصع صفحات الصمود والمجد، ومنهم من دفع ثمن لذلك ألاما أسرية في العديد من المجالات .. اجل إنها مسيرة الشرفاء الأحرار الذين عاهدوا الشعب والوطن ان يمضوا على طريق الثورة إلى أن يحقق شعبنا أهدافه العادلة والنبيلة في التحرر والاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم.
طوبى لكم رفاقي ورفيقاتي الاماجد .. وسلام لكم جميعا في ذكرى حزب سنبقى الأوفياء له ولمبادئه السامية، وسنفتخر دوما بأننا نشأنا وتربينا وفرحنا وتألمنا وضحينا في صفوفه لأجل قضية عادلة لشعب خالد.