المخيمات الفلسطينية وتحصينها

بقلم: عباس الجمعة

تشهد المخيمات الفلسطينية حملة اعلامية غير مسبوقة ، وتحاول بعض الوسائل الاعلامية صب الزيت على الجمر ، وخاصة ما كتبته صحيفة السياسة الكويتية ان المخيمات الفلسطينية في لبنان قنابل موقوتة في وجه حزب الله ، وللاسف ان هذه الصحيفة التي تتغذى من العديد من القوى الدولية والاقليمية تحاول الزج بالمخيمات الفلسطينية ، وان العلاقة مع حزب الله هي علاقة متينة ، كما هي العلاقة مع كل القوى الوطنية اللبنانية متينة.

ان استقرار لبنان وأمنه وسيادته ووحدته وحكم القانون معه هو الضمان الأكبر لحماية واستقرار المخيمات ، وأن سلوك أي درب أخر يزيد من الأحقاد نحن شعب يعيش أعدل قضية في هذا العصر، والشعب اللبناني قدّم أغلى ما عنده انتصاراً لهذه القضية ، ولهذا نؤكد على اواصر العلاقة بين الشعبين الشقيقين ، لان هذه العلاقات اقترنت منذ امد طويل بعلاقة الاهل والقربى والنسب والمصاهرة ، كما ندرك أن المقاومة في لبنان هي واحدة من أهم عوامل الضغط لتحقيق حق العودة التي يتطلع إليها كل فلسطيني ، بينما تحاول الدوائر الامبريالية والاستعمارية شطب هذا الحق من خلال مشاريع متعددة .

ان ما يجري في مخيمات اللجوء والشتات يتطلب وقفة جادة ومسؤولة ، بمواجهة الحملات الاعلامية التي تستهدف العلاقات بين الشعب الفلسطيني وبين الجوار اللبناني ، لأن هناك تقاطع يصل إلى نقطة محددة، وهو تذويب وتهجير اللاجئين الفلسطينيين، ونحن أمام حصيلة تاريخية مفادها تصفية الحقوق الوطنية وذبح القضية عبر مشاريع متعددة وليس حلها حلا عادلا، وأن الواقع الحالي هو قدر تاريخي على الشعب الفلسطيني وهذا خطأ، وهناك حقيقة فلسطينية لا أحد يستطيع تجاوزها، وإعادة إنتاج النكبة ة تشتيت الفلسطيني، فالمخيمات التي شكلت ينبوع النضال وانطلاقة من خلالها الثورة الفلسطينية في الزمن الصعب، وأحبت ياسر عرفات ، وعشقت أيقونة الثورة جوج حبش، وقدرت وقفة وعطاء ابو العباس وجعلت من أبناء المخيم وقودا لمعارك الدفاع عن الثورة في مواجهة العدو الصهيوني ، لا يمكن ان تكون هذه المخيمات الا مدرسة ثورية ، لأن لكل شهيد حكاية ومأثرة، وكان دائم الحضور في كل المراحل.

إن التطرف الذي نراه اليوم يتطلب وقفة جدية ، وخاصة اذ لم تتم معالجة الأسباب التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتشددة, هذا يتطلب حركة مجتمعية تحاصر الفكر المتطرف الطائفي والمذهبي, وإطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة متكاملة ومترابطة من البرامج والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المجتمع حتى يتحمل الجميع المسؤولية في مواجهة من يسعى لنشر التفرقة الطائفية والمذهبية .

ان الشعب الفلسطيني الذي عانى مرارة اللجوء والشتات ودفع ضريبة الدم من اجل تحقيق اهدافه في العودة الى بيوته واملاكه ودياره ستبقى وجهته فلسطين ارض الاباء والاجداد مهما طال الزمن وتباعدت المسافات ، فالشعب الفلسطيني ليس بندقية للايجار مهما بدت الظروف الصعبة والمظلمة ، وسيبقى حريص على خيار المقاومة وحقه المقدس الفردي والجماعي، بالعودة ، ولا يمكن ان يسمح ابدا باي استغلال للمخيمات تندرج في اتون الفتنة ، وهذا ما نراه من خلال الرؤية الموحدة للفصائل بعدم الدخول في التجاذبات اللبنانية، وتعزيز العلاقات بين المخيمات والجوار اللبناني ومع كافة القوى الوطنية اللبنانية ، والعلاقة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية .

إن التجربة الطويلة تثبت أن لبنان كان أكثر الاشقاء العرب التزاماً للقضية الفلسطينية ، وتميزت العلاقة مع الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية ، حيث تحمل لبنان من العدو ومن العالم الكثير في هذا الصدد، لا سيما أبناء الجنوب، فقد احتضنوا الثورة الفلسطينية، ولعبت الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وكانت اقوال سماحة الامام السيد موسى الصدر ان مقاومة الشعب الفلسطيني وانتفاضاته هي فعل مقدس ، وكانت ايضا قرى ومدن وبلدات الجنوب تتعرض بصورة مستمرة للقصف الإسرائيلي ، وكانت القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية بمواجهة الاجتياحات والعدوان الصهيوني ، هذه العلاقة هي علاقة تلاحم امتزج فيها الدم الفلسطيني واللبناني، وتحملوا اكثر من أي بقعة في العالم العربي، أعباء هذه القضية ، وما زالت القضية الفلسطينية هي في عمق وصلب برامج وسياسة المقاومة في لبنان ، وتاكيد جميع القوى الوطنية اللبنانية علي أنه لا سلام في المنطقة دون أن يسترد الشعب الفلسطيني كامل حقوقه في أرضه وسيادته.

ان المرحلة تحتاج إلى تحرك فلسطيني سريع ، يتمثل اولا في تعزيز دور ووحدة ومكانة حركة فتح في المخيمات ، وتعزيز وتكريس وجود منظمة التحرير وفصائلها والتصدي لتلك الجماعات التكفيرية، والتبرؤ منها ، وتعزيز العلاقة مع الدولة اللبنانية والاحزاب والقوى الوطنية وبلورة خطة مشتركة في مواجهة من يحاول الزج بالمخيمات الفلسطينية، وتحصين وتعزيز العلاقات الاخوية مع الشعب اللبناني بقواه المختلفة، وتعزيز مكانة الدولة اللبنانية، باعتبار ان القضية الفلسطينية وحق العودة هو خيار الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل تحقيقه من خلال مسيرته النضالية المستمرة منذ خمسه وستون عاما.

ان التنبه لمفاعيل المشروع الأميركي في المنطقة وفلسطين، والنزعة التي تظهر تعود بنا الرجوع للتشدد الديني المذهبي المتطرف ، ونحن نعتبر ان هذه المواقف هي بهدف تكريس التجاذب المذهبي والخروج من مواجهة الاعتداء الاميركي الاسرائيلي الذي يسعى الى تقسيم المنطقة الى دويلات مذهبية وطائفية, وهذا يتطلب حركة مجتمعية تحاصر الفكر المتطرف الطائفي والمذهبي, وإطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة متكاملة ومترابطة من البرامج والأنشطة والحملات والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المجتمع داخل المخيمات حتى يتحمل الجميع المسؤولية في مواجهة من يسعى لنشر التفرقة الطائفية والمذهبية .

ويجب التأكيد على أن محاولة ربط الارهاب بالدين ستساعد الارهابيين، ولهذا لابد من تفاهم وتعاون جميع الاديان السماوية والوقوف في وجه الارهاب على قاعدة القيم المشتركة التي تربط الدول المنتمية الى أديان مختلفة ووجود جنسيات مختلفة على اراضيها ، لان من يقوم باي عمل ارهابي يثبت بدون نقاش وجدال أن لا دين ولاجنسية ولا ملة له.

لهذا فان مأساة مخيم اليرموك خاصرة دمشق ، لا تنتهي، فلا يمكن للبوصلة ان تخطئ قبلتها يوماهذه الجملة ليست تعبيرا مجازيا ، بل هي وصفا واقعيا، ونحن نرى ارهابين بسيف الدين يحولون ابناء المخيم راهينة ويسرقون لقمة عيش الاطفال والشيوخ والنساء من المساعدات حيث ترهلت أجسادهم ، فلامس جلدهم العظم الى أن استشهد الجسد الهزيل، وخاصة ان مخيمات الشتات تتنظر العودة لان حلمها في يافا وحيفا وعكا والسميرية وصفد وكل فلسطين ، فلم يعد للشعب الفلسطيني قلوب تتحمل مرارة النكسات.

ختاما : لا بد من التأكيد بان العلاقة بين المخيمات والجوار اللبناني هي علاقة جيدة جداً وخاصة أن هذه العلاقة قائمة على المحبة والاحترام وأن الفلسطينيين يعمدون إلى النأي بالنفس تجاه أي شأن لبناني داخلي والتزامهم بالقوانين والانظمة اللبنانية لحين عودتهم، إضافةً إلى المواقف الايجابية التي اتخذها اللبنانيون من طرفهم.