صائب الذي اختبر صوابه

بقلم: فايز أبو شمالة

بلغ السيل الزبي بكبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات، فلم يعد يحتمل رذيلة التفاوض، لقد حاول الاستقالة فلم يستطع، وحاول أن يجامل الصهاينة، وأن يبتسم، ولكنه لم يقدر، وحاول التفاوض ثانية فانفجر، وتطايرت شظاياه في وجه كبيرة المفاوضين الإسرائيليين تسفي لفني، حتى صارت أريحا أولاً أريحا الكنعانية، وصارت غزة أولاً وفق اتفاقية أوسلو، صارت غزة خارج الاتفاق والوفاق حسب خطة كيري.
في ميونخ صرخ صائب عريقات في وجه الوزيرة الصهيونية تسفي لفني، وقال لها: عندما تقولين لي: اقبل إسرائيل كدولة يهودية، فهذا يعني أنك تطلبين مني أن أغير تاريخي. أمامك خياران، فإما أن تذهبي أنت إلى الأمم المتحدة لتغيري اسم دولتك، أو أن تقبلي اعترافي باسمك المسجل في الأمم المتحدة، إن الدول تذهب وتسجل اسمها وتاريخ ميلادها في الأمم المتحدة وهناك دول غيرت أسماءها ولكنني لن أغير تاريخي.
لقد استفز الرجل على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الوطني، وشعر بالعبث، فاحتقر علانية هذا الشكل من الكذب والافتراء، وهذه الطريقة من خنق الحقائق بالاعتماد على الكتب اليهودية المتعفنة، ولاسيما حين تخاطب لفني المجتمع الدولي من خلال صائب عريقات قائلة: رجاء عدم تسمية مواقع في داخل إسرائيل مثل يافا وحيفا وأماكن أخرى بأسماء عربية، ولا تقولوا للاجئين الذين ينتظرون في لبنان وأماكن أخرى، ومعهم مفتاح المنزل، إن لهم حق العيش في هذه المناطق، لأن هذا ضد مبدأ دولتين لشعبين
هذا هو مربط الفرس الصهيوني الذي أوقع القيادة الفلسطينية في الفخ، فجعلها تردد من خلفه مقولة "الحل يكمن في دولتين لشعبين"، إن التفسير السياسي لهذه المقولة يؤكد على الاعتراف بدولة إسرائيل، وفي الوقت نفسه يؤكد على عدم أحقية اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى الأرض التي لم تعد أرضهم، بعد إن صار اسمها "إسرائيل" باعتراف فلسطيني.
غضبة كبير المفاوضين على المفاوضات، وعلى كبيرة المفاوضين اليهود تعكس حالة من القرف التفاوضي الذي أطاح بالثوابت الفلسطينية، إنها غضبة مفاوض يحترق في الكذب الإسرائيلي، ويتجمد من عدم القدرة على بلورة موقف سياسي فلسطيني يضع حداً للعبث بالمقدسات، ويعلن نهاية طريق المفاوضات.