لم يعد وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي بعد ثورة 30 يونيو يصلح لشيء سوى لرئيس جمهورية فقط، كونه أصبح الرجل القوي في مصر، وصاحب كل الامتيازات، بعدما أعلن عن خارطة الطريق وأقال الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وعليه أي مكان آخر للفريق عبد الفتاح السيسي يعتبر مكان غير منطقي وغير مقبول، فإن تم انتخاب رئيس جمهورية لمصر غير وزير الدفاع، فإن هذا الرئيس سيكون أسير الرجل القوي ووزير الدفاع الذي قال كلمة الفصل في أحداث مصر، وسيعتبر رئيس مهزوز يرتجف من مجرد أي مظاهرة أو محاولة للإغضاب قائد الجيش، وعليه فالاحتمالات الأكثر استقرار لمصر في مرحلة الخطر التي هي فيها أن يتم اختيار الفريق عبد الفتاح السيسي رئيسًا أو أن يقدم استقالته النهائية من الجيش ويعود إلى حياته المدنية، كأي مواطن مصري أدي دوره المنوط به، حتى أن اختياره بأي وزارة قادمة كوزير للدفاع لن يحقق لمصر أو للرئيس المصري القادم أي مساحة وحرية للحركة... أو اللجوء إلى الاحتمالية الثالثة وهي تعيين السيسي وزيرًا لأحد الوزارات المدنية، ولكن السؤال الأهم هل سيقبل الفريق عبد الفتاح السيسي بهذا الدور المدني؟ وهل سيتخلى عن دوره العسكري أو الرئاسي في هذه المرحلة المصيرية من مصير مصر بعدما شكل المنقذ حسب وجهة نظر المصريين لهم في أعقاب حكم الأخوان المسلمين؟
أعتقد أن الاحتمالية الثالثة احتمالية ساقطة وغير منطقية، وذلك بناء على العديد من العوامل والأمور أهمها الشخصية الكاريزمية التي بلورها الفريق عبد الفتاح السيسي في الأشهر الأخيرة، واعتباره الرجل القوي في مصر، والذي يمسك زمام السلطات بيد من حديد، بغض النظر عن الرئيس المصري الحالي عدلي منصور الذي يعتبر رئيس فخري لمرحلة انتقالية تحتاج الإرادة العسكرية أكثر من الإرادة المدنية، وافتقاد الرئيس عدلي منصور لكل مفاتيح الشؤون الداخلية والخارجية المصرية، إضافة إلى التحديات التي تواجه الجيش المصري حاليًا وخاصة في منطقة سيناء والعريش، والصورة الأمنية المهزوزة التي يحاول الجيش المصري أن يخوض معها حربًا شرسة، لإعادة مصر إلى ما قبل 25 يناير 2011 أو إلى ما قبل 30 يونيو 2013 على أقل تقدير، إضافة إلى أن الدور الذي رسمه الفريق عبد الفتاح السيسي بعد ثورة 30 يونيو دور أقرب للذهنية المصرية من شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لذلك فإن الاختيارات أمام الفريق عبد الفتاح السيسي محصورة في خيارين هما إما الترشح للرئاسة ونتيجتها أعتقد أنها ستكون في صالحه بشكل حاسم، نظرًا للمزاج الجماهيري والشعبي المصري، وحينها سيخوض تحديات جسام، ويتحمل عبء دولة تعيش أزمات خطيرة وكبيرة على كل مستوياتها الخارجية والداخلية، وهو ما يعرضه للفشل كاحتمالية واردة وتهتز صورته في ذهنية الشعب المصري الذي يعيش حالة احباط، ويحاول التعلق بأي مخرج أو منقذ يعيد مصر لما كانت عليه، أو أن تتكاثف كل القوى المصرية والشعب المصري خلف الرئيس المصري ( عبد الفتاح السيسي) بما فيها جماعة الأخوان المسلمين، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، وهذا وفق عقيدة الأخوان يمكن له الحدوث إن حاول الفريق السيسي عقد مصالحة وطنية شاملة يكون عنوانها الأبرز التصالح والمصالحة مع جماعة الأخوان المسلمين وإعادة الاعتبار لها كجماعة هامة من مكونات الشعب المصري، وهو احتمال مستبعد في الوقت الراهن أو القريب على أقل تقدير، في ظّل حالة العداء التي تبلورت بين الجيش المصري وشخص عبد التفاح السيسي وجماعة الأخوان المسلمين التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها من جماعة حاكمة إلى جماعة محظورة كل قياداتها داخل السجون.
أما الخيار الثاني فهو استقالة الفريق عبد الفتاح السيسي والعودة إلى الحياة المدنية ضمن عهد جديد يتولى فيه الرئيس المنتخب وحكومته تسيير الأمور وإعادة البوصلة المصرية إلى صيغتها المدنية، وهنا يبرز التساؤل الأهم، ما هو مصير المواجهة مع الجماعات السلفية والتكفيرية في سيناء؟ وكيف سيخوض الرئيس المصري المنتخب هذه المواجهة؟ وهل سيتخلى عن دور الجيش المصري ويعتمد على القوى الأمنية الأخرى مثل وزارة الداخلية وأمن الدولة والمخابرات العامة؟ وهل هذه الأجهزة تستطيع المواجهة وخوضها دون الجيش؟ الاحتماليات هنا أيضًا ضعيفة وتعتبر شبة مستحيلة، فالجيش المصري هو الذراع ألأكثر قوة في هذه المواجهة، والقادر على عملية الحسم فيها.
خلاصة الأمر أن مصر في حالة مخاض متعسرة، لا يمكن التنبؤ بحالة الجنين في الوقت الراهن، في حين أن السيناريو الأقرب هو ترشح الفريق عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية والفوز، ومن ثم إعادة تشكيل المؤسسة الرئاسية ورئاسة الوزراء من خليط يستطيع استنهاض الحالة المصرية السياسية والاقتصادية والمجتمعية، في حين يقبض هو على الحالة العسكرية والمواجهة مع الأوضاع المتوترة في سيناء، مع الاحتفاظ بحقيبة وزارة الدفاع بيده كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية.