فخامة الرئيس ...
سبقت رسالتي هذه إليك رسالة أخرى وجهتها إلى الأخ المناضل إسماعيل هنية، دعوته فيها إلى خطوات محددة في السياق التصالحي علّها تشفي الغليل وتفسح المجال أمام قاطرة المصالحة كي تسير وتبحر في أمان، وبيّنت فيها أن الانقسام لو كان هو طريقنا الأقرب نحو القدس لتمنينا جميعاً أن يدوم ويستمر ويتواصل ويتعاظم، لكننا جميعاً ندرك أن الوطن بحاجتنا جميعاً وأنه بدون شراع الوحدة الوطنية فلا مجال لهذا المركب "الذي أنت قبطانه" أن يخطو إلى الأمام خطوة واحدة، فما بالك بأن يصل بنا إلى بر الأمان.
غزة التي تحبك يا فخامة الرئيس ... التي خرجت بمئات الالاف قبل نحو عام ونيّف في ذكرى انطلاقة حركة فتح ... أوصلت لك رسالة ثقة ومحبة واستعداد لمواجهة المستحيل بصحبتك، غزة تتألم اليوم وتشتكي ظلم القريب قبل البعيد ... ظلم الصديق قبل العدو ... تواجه مرارة الحصار والإغلاق، تعاني من ظروف الماء والكهرباء، تفتقر إلى مواد البناء وإلى الدواء، تواجه محنة نقص الغاز والوقود، وينسد الأفق في وجه شبابها وفتيانها الذين باتوا اليوم يحلمون بالساعة التي يغادرون فيها وطنهم إلى الأبد، بعد أن فقدوا أدنى أمل في غدٍ مختلف، في ظل وطن يظللهم بالعدالة ويؤمن لهم مقومات الثبات والصمود، غزة تدعوك وتناشدك أن تقف إلى جوارها وألا تتركها فريسة الظروف القاهرة التي وُضعت فيها دون جريمة اقترفتها إلا لأنها غزة.
أدعوك من خلال هذه الرسالة إلى إجراء كل ترتيب ممكن من أجل زيارة معمقة إلى قطاع غزة، تأتي فيها بنفسك لا بمندوبيك أو ممثليك، تتابع عن كثب إجراءات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وترتيبات تهيئة الأسباب لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية ومجلس وطني، وترتب أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية لتكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وتعيد بناء الأجهزة وفقاً لآلية الشراكة الوطنية الكاملة، وتشرف بنفسك على إعادة إعمار غزة، وكسر حصارها للأبد، وإنهاء معاناة أهلها وشعبها البسيط والمغلوب على أمره، وتطوي بيديك صفحة الانقسام البغيض، وتعيد التواصل الجغرافي بين شقي الوطن، وننهض كلنا بمشروعنا الوطني ونستعيد ترتيب أولوياتنا وأجندتنا الوطنية لمصلحة القضايا الكبرى التي سنخوض قريباً معارك طويلة دفاعاً عنها.
فخامة الرئيس ...
نعرف أنك تخوض المعركة الأصعب في حياتك، وندرك معنى أن تقول (لا) في وجه كيري ونتنياهو، ونعي تماماً خطوة ما يحدق بنا وطنياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، ونتفهم تماماً رؤيتك السياسية ورغبتك بالخروج من عنق الزجاجة باتجاه فضاء وطني يحقق الكرامة ويعزز الحضور الوطني في كل المحافل، لكننا نصر عليك سيادة الرئيس أن تجعل من غزة أولوية حياتية وشخصية وسياسية، لا لشيء إلا لأنها جزء أصيل من وطنك، وبقعة ما تزال تتبنى شرعيتك، وأجيال فيها تنتظرك، غزة التي لو خيروك بين وحدة ترابية معها أو دولة كاملة السيادة بدونها، عليك أن تختار غزة دون تردد، وأن ترفض كل إغراء لا يضمن لمليوني فلسطيني يعيشون في غزة أن يكونوا جزءاً أصيلاً من تراب وطنهم وشعبه.
عزز وحدتنا تحت شرعيتك، وبادر إلى خطوات مهمة باتجاه انهاء الانقسام، وقرر من اليوم أن تكون غزة هي برنامجك اليومي حتى زوال الانقسام، حتى تتمكن بمعية غزة وبمساندة أهلها من التفرغ للقدس وللاجئين ولحق العودة ولمواجهة التغول الاستيطاني والعمل على استرداد الحقوق الوطنية السليبة، والله الموفق والمستعان.