غادر وفد الرئيس محمود عباس قطاع غزة بعد عدة أيام صاخبة ولقاءات متعددة مع حماس وتنظيم فتح في قطاع غزة، الزيارة كانت بهدف ترتيب أوضاع حركة فتح التنظيمية إضافة إلى بحث موضوع المصالحة مع حركة حماس، هكذا أعلن رئيس الوفد لوسائل الإعلام، وهذا ما كان متوقعاً من قيادة حركة غابت عن جزء مهم من جغرافيا وطن حوالي سبع سنوات، وأهملت قاطنيه وشاغلتهم مدة أقل بقليل من تلك السنوات.
الوفد الزائر يعلم علم اليقين أن في قطاع غزة أكثر من مليون وثماني مئة ألف مشكلة، كل مواطن فلسطيني لديه مشكلة ويبحث عن حل لها، بعد سبع سنوات عجاف ضربت الإقتصاد والتنمية والتعليم والصحة وكل مناحي الحياة، لقد سمع الوفد أن غزة لم تعد مكاناً ملائماً للعيش، وسمعوا بمشكلة الكهرباء والمياه والمسكن والغذاء، وقبل ذلك وصلت عشرات النداءات من أسر الشهداء لصرف مستحقات أبنائهم، كذلك الأمر مشكلة متفرغي 2005، ومشكلة الموظفين المقطوعة رواتبهم، ومشكلات الخريجين والمتعطلين عن العمل، مشكلة آلاف الطلبة العاجزين عن تسديد رسوم الجامعات، مشكلة المسافرين ومعبر رفح، مشكلات الأسعار والوقود وغيرها من قضايا كدّرت حياة المواطنين وجعلت عيشهم أمر بالغ الصعوبة وخاضع للإبتزاز والمعاناة اليومية.
توقعنا أن يعلن الوفد عن إنهاء الانقسام ويبلغ جماهير الشعب الفلسطيني عن موعد تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تعيد السلطة إلى الشعب من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، وأن تباشر كل اللجان التي تم تشكيلها عقب إتفاق القاهرة عملها لترتيب وتنفيذ كل ما أتفق عليه، وأن يوجه الوفد رسالة إلى جماهير الشعب الفلسطيني يعتذر فيها عن تسبب القيادة السياسية بمأساة لا تقل عن نكبة العام 1948.
هذا هو تصرف (القادة) إن جاز التعبير ممن يحترمون شعبهم ويقدرون تضحياته ويعيشون نفس مأساته، هذا هو السلوك المنطقي لقادة يعتبرون أنفسهم في خدمة حركة تحرر وطني ساعية إلى كنس الاحتلال والخلاص الناجز من كل أشكال الظلم التي لحقت بالشعب الفلسطيني على مدار قضيته، وهذا هو المنطق الحكيم في ظل أزمات خانقة بدلت أولويات الشعب ووضعته في عين عاصفة جديدة من التشتت والضياع في كل مكان.
جاء الوفد الرئاسي حاملاً سيف التطهير في صفوف حركة فتح، ليعلن جهاراً نهاراً رئيس هذا الوفد وبدون خجل عن نيته القيام بحملة تصفيات تطال معارضي الرئيس محمود عباس، ويمنح نفسه شرف هذه المهمة التي فشل فيها أكثر من مرة وحاول أن يعيد التجربة مدعماّ بفريق الصاعقة الرئاسي !
محمد دحلان كابوس قيادة فتح، والعلاقة مع جمهورية مصر العربية أو الإمارات العربية المتحدة إتهامات جديدة تضاف إلى سجل محمد دحلان، بعد أن حذرتهم صحيفة "معاريف" فهرولوا مسرعين إلى قطاع غزة لإنقاذ الرئيس من الرئيس القادم وتيار الرئيس القادم الذي يتآمر على أبو مازن ليل نهار وسبب رئيسي من أسباب فشل المفاوضات وفشل إستنهاض حركة فتح، وسبب الانقسام والحصار وبناء المستوطنات وتهويد القدس والتنازل عن "صفد" !
جاء الوفد مسرعاً إلى غزة باحثاً عن حلول إستئصالية لتيار فوجدوا حركة فتح جميعها "التيار" وهم غرباء لا علاقة لهم بواقع هذه الحركة التي دفعت ثمن غياب الزعيم التاريخي ياسر عرفات وثمن ضعف الرئيس محمود عباس وانهياره المتواصل في تفاصيل المعارك الشخصية التي يخوضها بدون مبررات ويشغل الشعب الفلسطيني بها للتغطية عن عجزه وهزائمه المتلاحقة منذ أن أصبح رئيساً للشعب الفلسطيني حتى الآن.
لا يفيد أي كان إنكار الحقيقة، وإنكارها لا يساعد في حلّها بل يزيدها تعقيد، فقد جرب الرئيس محمود عباس كل وسائله في التعامل مع حالة محمد دحلان داخل حركة فتح ولم ينجح بسبب هذا الإنكار والعناد، ورفض كل أشكال المصالحة الفتحاوية والوساطات المتكررة من فلسطينيين وعرب، وهو مصمم حتى هذه اللحظة في خوض معركته الشخصية مسلحاً بزمرة العجائز التي شاخت عن مواصلة درب النضال الوطني، وتشتعل شباباً دفاعاً عن مصالحها وعن ورثة حركة توهموا أنها ضمن صفقاتهم التجارية.
ما يفعله هؤلاء أمر باعث على الخجل الشديد، كيف لقيادة حركة تاريخية مثل حركة فتح أن تنشغل ليل نهار في معالجة مشكلة داخلية وتنتج عشرات المشكلات، في نفس الوقت لا تفكر في حل قضية واحدة تساهم في رفع معاناة أهل غزة بعد سنوات من الإجحاف والنسيان، وأن يعاقبوا شعب بأكلمه جراء مواقف شخصية قرر فيها رئيسهم دون أن يقف أحدهم وقفة رجل عزّ عليه التاريخ ويريد أن يحمي المستقبل.
لا يغيب عن ذهننا التفكير أن كل ما يجري فلسطينياً بدءاً من الانقسام ومروراً بالأزمات الاقتصادية وإنتهاءاً بمشكلة النائب محمد دحلان هي إشغالات مقصودة للشعب الفلسطيني وحركة يديرها الرئيس للتغطية عن عجز سياسي قائم ومحاولات يائسة لشراء وقت بقائه على رأس النظام السياسي الفلسطيني، ومع كل مشكلة يستحدثها الرئيس يخلق معها حالة وعي جديدة لدى أبناء الشعب الفلسطيني تؤكد على ضرورة رحيله.
كل الراحلين في بلدان العرب ساقوا أكذوبة المؤامرة التي تحاك ضدهم من قوى خارجية، لا زل صدى الكلمات يتردد في أذن كل مواطن عربي وفلسطيني، وفي واقع الأمر أنهم كان المتآمر الأول ضد مصالح شعوبهم، وهم من تعاون مع كل القوى الأجنبية في سبيل الحفاظ على عروشهم وتوريثها لمن بعدهم، صنعوا الفقر والتخلف بحجة الخطر الخارجي، واستمرأوا بأجهزة البطش حتى آخر أيامهم في الحكم أو الحياة، هؤلاء أصحاب إعلام المؤامرة رحلوا حينما قررت شعوبهم التغيير ولم تنفعهم كل حملات الإرهاب والتخويف والتخوين التي مارسوها على مواطنيهم، فمنهم من فهم الشعب متأخراً ورحل وآخرين استغبوا الشعب فمكثوا بين جدران السجن والقضاء.
من يظن أنه بمنأى عن التغيير والرحيل واهم، ولن يقوده الوهم إلا لمصير محتوم ينهي حياته السياسية بشكل يشبه سلوكه، فالجزاء من جنس العمل.
بقلم: محمد أبو مهادي
[email protected]