هواجس سكانية إسرائيلية

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

يحتاج الكيان الصهيوني سنوياً إلى مائتي ألف مهاجر جديد، بالإضافة إلى الزيادة السكانية الطبيعية الناتجة عن نسبة المواليد، لتتمكن من مواجهة التنامي السكاني الفلسطيني الآخذ في الإزدياد، في الوقت الذي يشهد فيه الكيان حالة تدني مخيفة في نسبة الزيادة الطبيعية، على الرغم من سلة الحوافز المغرية التي تقدمها الشؤون الاجتماعية، والمؤسسات الأخرى للمواليد الجدد، وللأسر الأكثر عدداً، إلا أن الثقافة الإجتماعية، والسلوك الظهوري، وعادات المرأة الجديدة، وحرصها على مظهرها وزينتها، واهتمامها بشكلها وحضورها، باتت كلها تقضي على الأحلام الإسرائيلية في تزايدٍ سكاني طبيعي مرضي، يكون قادراً على حل المشكلة، ووضع حدٍ حقيقي لها، بما يطمئن بال المخططين والمنظمين للدولة العبرية، والقلقين على مستقبلها.
وأكد مسؤولون إسرائيليون، أنه إذا لم تتمكن جهات التخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي من الإحاطة بهذه المشكلة، فإن المجتمع الصهيوني سيفاجأ قريباً بالإنفجار الديمغرافي الفلسطيني، الذي سيكون متلاحماً بقوة مع البحر العربي المحيط بالدولة العبرية، والذي يشكل في حقيقته خطراً على مستقبل الدولة، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة، ومدى التزامها أو إيمانها بالإتفاقيات الأمنية الموقعة.
يشكو الإسرائيليون من الفلسطينيين، ويعترضون على سياستهم البيولوجية، ولا ترضيهم عاداتهم الأسرية، ولا تقاليدهم الموروثة، ويبدون استياءهم الشديد من التزايد السكاني الفلسطيني المريع، الذي لا يهتم بالوضع الإقتصادي، ولا يعير الظروف المادية أي اهتمام، ولا يسأل كيف ولا من أين يمكن لهذا الطفل الجديد أن يعيش ويكبر ويتعلم، ويكون له مستقبل، وكأنهم يقولون أن العادات الأسرية الفلسطينية معادية لهم، وضارة بهم، وليس بمستبعدٍ أن يصنفوا الفلسطيني المعيل، الذي أكرمه الله بعديدٍ من البنين والبنات، بأنه إرهابي معادي للسامية، وان نسله ضارٌ بالبشرية.
يغضب الإسرائيليون من التوكل الفلسطيني، الذي هو توكلٌ إيماني، خص الله به المسلمين في كتابه، عندما دعاهم إلى عدم قتل أولادهم خشية الفقر والإملاق، فالله يرزقهم وإياهم، وهو يتولاهم ويرعاهم، وهو الذي خلقهم ولن ينساهم، وما اعتاد المسلمون أو العرب قتل أولادهم، أو التخلي عن أطفالهم مخافة الفقر والحاجة، بل اعتادوا المباهاة بهم، والتفاخر بكثرة عددهم، وبزيادة سوادهم، وكلهم أمل أن يحمل القادمون عنهم بعض أحمالهم، وأن يكونوا سنداً لهم، وعوناً لهم في شقائهم وعند هرمهم وفي شيخوختهم.
أذكر يوماً، في ظل الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت في نهاية العام 1987، أن الجيش الإسرائيلي كان في محاولته السيطرة على الفلسطينيين، يلجأ بالإضافة إلى اعتقال الآلاف، إلى فرض حالات منع تجوال على مختلف المناطق الفلسطينية لأيامٍ طويلة، قد تستمر أحياناً مدة شهرٍ أو أكثر، مع السماح للسكان بساعتين أو ثلاثة يومياً للخروج للتسوق وشراء حاجاتهم.
فإذا بمسؤولٍ إسرائيلي يخرج بتصريحٍ علني، ينتقد فيه سياسة الجيش الإسرائيلي، القاضية بفرض حالة منع التجوال على الفلسطينيين، ويعتبر أن هذه السياسة خاطئة، وأنها تضر بمستقبل إسرائيل، وهي وإن كانت تحقق الأمن الآني للمواطنين الإسرائيليين، أو تقلل من درجة الخطورة، فإنها على المدى البعيد تقضي على الحلم اليهودي، وتقوض آمالهم في مملكتهم الثالثة، ذلك أن حالة منع التجوال تتسبب في زيادة مطردة وغير طبيعية في نسبة المواليد الفلسطينيين، وبالرجوع إلى المستندات والإحصائيات، وجدت الإدارة المدنية الإسرائيلية، أن الملاحظات الواردة صحيحة تماماً، إذ أن نسبة التزايد السكاني الفلسطيني في ظل الانتفاضة كانت عالية جداً، بل وأعلى من معدلاتها العادية، ولكن النسبة بقيت على حالها، رغم رفع حالة منع التجوال، أو التخفيف منها.
أما الاعتراض الإسرائيلي الآخر، فهو على الله سبحانه وتعالى، أنه يمنح الفلسطينيين مواليد ذكور أعلى بكثير من غيرهم، وكأنه يعوضهم عن الأسرى والشهداء، ويبارك لهم في نسلهم وأولادهم، إذ أن نسبة المواليد الذكور في المجتمع الفلسطيني، خاصةً في قطاع غزة، تفوق نسبة المواليد الإناث، وقد تكون حالات الولادة التي تشهدها مستشفيات غزة أحياناً مذهلة، وتبرر الغضب والثورة الإسرائيلية، عندما تشير تقارير المستشقيات إلى أنه في أسبوعٍ واحد، كانت نسبة المواليد الذكور إلى لإناث 7-3، وهي حالةٌ متكررة، دائمة وليست نادرة.
لكن في الجانب الآخر من هذه المسألة، فإن الفلسطينيين يعيشون إلى جانب الحصار المرير، ضائقة مالية حادة جداً، ويعانون من ارتفاعٍ في ظاهرة البطالة، ومن الزيادة المفرطة في الأسعار، ومن تدني الأجور، وتناقص فرص العمل، ويشكون من غياب البرامج الداعمة، والعطاءات المساعدة، فلا رعاية لأسرهم، ولا تشجيع لهم، ولا محاولة للتخفيف من أعبائهم، رغم أنهم أحق بالمساعدة، وأولى بالمناصرة، كونهم يقيمون في المربع الأول، وفي الجبهة المتقدمة، في مواجهة الأطماع الصهيونية الكبيرة، التي لا تقف عند حد، ولا تعترف بالشبع أو الإكتفاء، بل تبقى دوماً نهمة جشعة، لا تشبع وتطالب بالمزيد.

https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 14/2/2014