بعد وفد "الصاعقة الرئاسي" الذي زار غزة لترتيب أوضاع فتح وإكتشافهم لحجم الهوة التي باتت تفصلهم عن الشعب وحركة فتح، ظهر اللواء جبريل الرجوب على فضائية تلفزيون فلسطين يستكمل مهمة التخريب وإشغال الناس بأحاديث تزيد من حالة الإحباط والإحتقان في الشارع الفلسطيني وداخل حركة فتح، ويكرس وقته للهجوم على الخصم السياسي للرئيس عباس، مستحضراً ما تناقلته صحيفة"معاريف" الإسرائيلية المقربة من المؤسسة الأمنية للإحتلال الإسرائيلي، وأحد مصادر الشائعة الإستخباراتية التي تستخدمها إسرائيل لجس نبض الشارع الفلسطيني في قضايا متعددة.
جبريل الرجوب ينكر الواقع مرة أخرى ويفرد جانب كبير من حديثه عن النائب محمد دحلان ويتهمه بأنه طامع في السلطة والرئاسة وأنه مرشح الصحافة الإسرائيلية، ثم يذهب للحديث عن منصب نائب الرئيس واضعاً شروط الترشح لمنصب نائب الرئيس بشكل ساذج يعبر عن حالة الهوان التي وصلت إليها قيادة حركة فتح ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية.
الحديث عن خلافة الرئيس ليس جديداً في الشارع الفلسطيني، وقد طرحت هذه المسألة منذ أن أعلن أبو مازن عن نيته عدم الترشح لمنصب الرئيس في حال إجراء إنتخابات، ولم يكن سراً طموح النائب محمد دحلان لإشغال هذا الموقع إنتخابياً أو بعد رحيل الرئيس عباس، ولولا هذا الطموح المشروع لديه لما جرت عملية إقصاء تآمرية غير أخلاقية بحقه، وهذا الأمر سابق بكثير على حديث الصحافة الإسرائيلية مرجع السيد الرجوب ولجنته المركزية، وكل مواطن فلسطيني كان يدرك أن المنافس الأوفر حظاً في خلافة الرئيس عباس هو محمد دحلان حتى وهو خارج اللجنة المركزية لحركة فتح، فالرجل فاز في إنتخابات تشريعية محققاً أعلى الأصوات في دائرته الإنتخابية في ظل هزيمة كبيرة مني بها أغلب مرشحي فتح في الدوائر الإنتخابية ويحظي بإحترام قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني وفي وسط أهم شريحة منه الشباب.
اللافت للنظر أن جبريل الرجوب وضع شروطاً لتولي موقع نائب رئيس السلطة مسقطاً من حديثه كل المؤسسات الفلسطينية الشريكة في صياغة الموقف القانوني والسياسي لهذا المنصب، وكأن الأمر قد قضي وباتت المسألة قيد التنفيذ، وفي هذا إهانة كبيرة للمؤسسة التشريعية الفلسطينية صاحبة الرأي القانوني الأول في هذا الأمر حتى وإن كانت معطلة بفعل الإنقسام، إضافة إلى رأي مجمل الحركة السياسية الفلسطينية الشريكة في منظمة التحرير الفلسطينية وصاحبة إتفاق القاهرة للمصالحة الذي ستوضع أمامه عقبة جديدة فيما لو أستحدث هذا الموقع حقيقة، وليس ما باب إغلاق الطريق أمام أفكار مصالحة فتحاوية تحدثت في وقت سابق عن إمكانية أن يكون دحلان في هذا المكان.
ما قام به السيد الرجوب حديث ممجوج يثير إستياء عدد كبير من أبناء الشعب الفلسطيني بعد ما قام به وفد الرئاسة الذي زار غزة وأشعل خلافات كثيرة وأساء إلى الأشقاء العرب، وإحتوى على جملة مفارقات تؤشر على حجم الإرتباك داخل اللجنة المركزية في فتح إذا كان موقفه يمثلها، كما ويجافي واقع أفرزته التجربة على الأرض سواء في الإنتخابات البلدية التي نظمت في الضفة الغربية وأسقطت فيها قوائم الرئيس في أهم المواقع الإنتخابية، أو في تجربة التعينات المتلاحقة لقيادة فتح في قطاع غزة بعد حرص الرئيس الشديد بعدم إجراء إنتخابات داخل أقاليم فتح لإداركه النتائج سلقاً.
المفارقة الأولى التي تثير الدهشة في حديث اللواء جبريل الرجوب أنه حذر من الشائعات التي تبثها الصحافة الإسرائيلية ثم يرتكز جلّ هجومه على تلك الشائعات ليأخذ حيزاً واسعاً من بث فضائية فلسطينية يفترض أنها مستقلة وتتبع للشعب الفلسطيني بكل توجهاته الفكرية والسياسية، وليست منبراً للتحريض وكيل الإتهامات بحق طرف فلسطيني ضد آخر.
المفارقة الثانية أن الرجوب من أكثر الشخصيات الفلسطينية حضوراً في الإعلام الإسرائيلي ويفرد له الإعلام مساحة لم يحظى بها أي فلسطيني آخر من قبل حتى في ظل حصار الرئيس أبو عمار كاد أن يكون هذا الإعلام منبره الوحيد، ثم يأتي ليتهم شخصية لم تظهر ولا مرة على أي وسيلة إعلام إسرائيلية بأنها صنيعة الإعلام الإسرائيلي !
المفارقة الثالثة في حديثه عن الإجماع الوطني وتنصيب نفسه ممثلاً عن هذا الإجماع، ويخرج آخرين من الصف الوطني مقرراً عن الحركة الوطنية الفلسطينية، فهل فوضته حركة فتح والفصائل بمنح شهادات وطنية لفلسطينيين أو نزع صفة الوطنية عن آخرين ؟!
معلوماتي أن السيد جبريل الرجوب يحمل الهوية الإسرائيلية وأتمنى أن تكون هذه المعلومة خاطئة، ولكنها تقودني إلى تساؤل عن سبب عدم تضمين لائحة شروطه لمنصب نائب الرئيس بأن يكون فلسطينياً حاملاً للجنسية الفلسطينية فقط، فقد شعرت أن قائمة الشروط يتم تفصيلها له شخصياً رغم أن الكثير سيقال في هذا الشأن.
حالة هزلية تعيشها قيادة فتح لم يسبق لأي حركة سياسية عانت منها وسط هذا الخطاب المحبط والسلوك الشاذ الذي يخفي عجزاً كبيراً ناتجاً عن هزائم وإخفاقات سياسية، هذه الزمرة المشتغلة بالصغائر لا يمكنها أن تقود حركة وطنية بحجم وتاريخ حركة فتح، ولا يمكنها أن تنقذ تنظيم من الإنهيار المتواصل إذا لم يتم تحديث هذه الحركة والتمرد على نهج المتنفذين فيها، نحن جميعاً بحاجة إلى حركة سياسية وطنية تقود كفاح الشعب الفلسطيني وتخلصه من جملة أزمات تراكمت وأثقلت على كاهله، حركة ملتصقة بقضايا شعبها تبني للمستقبل وتعد أجيال نابضة بالحياة والأمل.
[email protected]