شنب فتحى وشجرة الجميز والمصالحة ( رؤية ساخرة)

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

شخصية فتحى التى استعضرتها فى مقالى تشبه الكثير من شخصياتنا المتخندقة وراء تعصبهم لفكرتهم ، المعتقدين دوما إن فكرتهم هى السامية ، وانهم حماة الديار ، لذلك يتغولون فى ممارسة القهر والاستبداد ، وتغيب المصلحة العامة انسجاما مع مصالحهم الخاصة الضيقة ، وفى نهاية القصة اضطر فتحى ، إن يتنازل قهرا عن تعصبه لفكرته ، رغم أن تمسكه بسفاسف الامور اضاعت الكثير على قومه وعشيرتة

كان الحاج فتحى سريع الغضب، على طرف لسانه

قسمه المفضل يكون هذا الشارب لامرأة إذا لم أفعل كذا

فشاربه الكثيف المبروم هو أهم إنجازاته ومكامن فخره. لاحظ الحاج فتحى أن قطا رمادى اللون..

فاحم الذيل.. له رائحة الزيت المحروق.. يكمن له كل مساء بين أغصان شجرة الجميز الكائنعلى رأس حقله.. ويقفز عليه فجأة وهو عائد من الحقل.. يخمش وجهه حتى يسيل الدم منه..

ثم يقفز عائدا إلى الشجرة.. ويختفى بين أغصانها. حاول أن يمسك القط فلم يستطع..

ولم يستطع أيضاً أن يحكى ما يحدث.. فعندما كان يعود إلى المنزل وينظر إلى وجهه فى

المرآة لم يكن يرى آثار ما يفعله القط به.. رغم شعوره بالألم. وذات مساء، كان الحاج فتحى

عائدا مع بعض أهل القرية.. وفعل به القط فعلته..

والغريب أن كل من كانوا معه لم يروا القط أو يلاحظوا أى أثر على وجهه.. بل ضحكوا منه

عندما اضطر أن يشرح لهم كل شئ ليزيل عجبهم من منظره الغريب وهو يحرك يديه فى

الهواء مدافعا عن نفسه.. لم يصدقه أحد.. فأقسم أن يقطع شجرة الجميز لأنها مسكونة..

ويكون شاربه على مرة إذا لم يقطع هذه الشجرة غداً. كان هذا القسم هو الغلطة الكبرى

فى حياة الحاج فتحى، وسبب الكارثة التى هددت جغرافية القرية كلها. زرع الحاج فتحى

شجرة الجميز وهو فى الخامسة من عمره، وكان يشعر أنها جزء منه، لكنه لم يستطع

التراجع، فالناس فى قريتنا لا يتراجعون فى (يمين) أبدا.. خصوصا لو كانوا قد أقسموا

أمام آخرين.. وقد خرج عدد كبير من أهل القرية ليشاهدوه وهو يبر بيمينه ويقطع شجرة

عمره.. لكنهم جميعا ذهلوا من هول المفاجأة.. تحدد أشجار الجميز والتوت والسنط الملكيات

فى قريتنا.. فحقل الحاج فتحى يبدأ بشجرة الجميز.. وينتهى بشجرة سنط عتيقة..

وما رآه الحاج فتحى ومن معه، وأذهلهم، هو عدم وجود شجرة الجميز فى مكانها..

غضبت الشجرة من الحاج فتحى.. فابتعدت عن حقله مسافة لا تقل عن خمسين مترا..

وتحركت كل أشجار القرية بدورها لتظل محافظة على المسافة بينها وبين شجرة الجميز..

وقع الفأس من يد الحاج فتحى فكاد أن يقطع قدمه.. ولم يعد أحد يعرف من أين يبدأ

حقله أو ينتهى.. شعر كل منهم بأنه تائه ولو سئل عن اسمه فلن يستطيع تقديم

إجابة صحيحة.. وتحول الجميع إلى الحاج فتحى ليتراجع عن قسمه ويسترضى الشجرة

لتعود مكانها ويعود كل شئ إلى أصله.. ويستعيد كل شخص معرفته بأرضه وذاته..

لكنه ركب دماغه.. فلن تنفذ شجرة كلامها عليه مهما يحدث.. وجرت المفاوضات بين أهل

القرية والحاج فتحى.. وهو مصمم على رأيه.. والشجرة يزداد غضبها وتتحرك مبتعدة

أكثر.. فتتحرك كل الأشجار تبعا لها.. ويزداد شعور الناس بالضياع..

كان الحاج فتحى يتمنى لو تراجع فى قراره.. فشجرة الجميز عزيزة عليه..

وهو لا يرضى بما فيه أهل القرية من تشتت أوقف حياتهم.. فهم لا يزرعون..

ولا يأكلون..ولا ينامون.. ولا يعاشرون زوجاتهم.. ولا يضحكون.. ولا يبكون..

ولا يتحدثون إلا معه فى موضوع شجرة الجميز الغاضبة.. لكنه لو تراجع فى يمينه

سيضطر لأن يحلق شاربه.. وأهون عليه أن تقوم القيامة ولا يحدث ذلك.. لكنه استجاب

أخيرا لضغوطهم.. وذهب إلى الشجرة ليعتذر لها ويسترضيها لتسامحه من أجل العشرة

الطويلة التى تجمعهما.. وعادت الشجرة إلى موضعها..

ورجع كل شئ فى القرية إلى أصله.. وأخذ الناس يمارسون حياتهم كما اعتادوا ..

أما الحاج فتحى فقد ظل محبوسا فى بيته عدة أشهر لا يقابل أحدا حتى نما شاربه من جديد

فهل يتعظ امراء انقسامنا من المفكر فتحى المشابة للعديد من فتحى ورمزى وربحى وحمسي وشعبى ، وهل شاربهم الطويل بات اهم من مصلحة الوطن ، فمن يجد منكم يا اعزائى بائعا للشوارب فليتصدق به على الزعماء لئلا يقضوا ما تبقى لهم من وقت فى كهفهم

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -