مرةً جديدة يعود مخيم اليرموك لصدارة الحدث مع بدء خروج المجموعات المسلحة منه بعد أن كانت قد دخلت إليه قبل أكثر من عام مضى، وقد أدى ذلك الدخول لوقوع تداعيات كبيرة جداً كان من نتائجها تهجير العدد الأكبر من سكان ومواطني اليرموك من سوريين وفلسطينيين، قاربت اعدادهم نحو مليون مواطن ربُعهم من اللاجئين الفلسطينيين تقريباً. ومن المتوقع، وبناء على الاتفاق الذي حصل من قبل فريق العمل الوطني الفلسطيني والمجموعات المسلحة، أن تقوم الجهات الفلسطينية الرسمية المعنية وبالتنسيق الكامل مع الجانب السوري بترتيب عودة الناس لليرموك خلال فترة قريبة جداً، واستلام إدارة زمام الأمور مؤقتاً إلى حين عودة مؤسسات الدولة الرسمية لممارسة كافة أعمالها ودورها وسط هذا التجمع السكاني والموقع الجغرافي الواقع إلى الجنوب قليلاً من مدينة دمشق.
لقد جاءت أهمية الحديث عن مخيم اليرموك نظراً لدور هذا التجمع في مسار العمل السياسي الفلسطيني بشكل عام، وانطلاقاً من المحاولات الاستعمالية التي عملت بعض الأطراف على توظيفها في مسار الأزمة الداخلية في سوريا، حيث توافق الفلسطينيون على مبدأ (الحياد الإيجابي) في أزمة البلاد السورية التي يعيشون فوق أرضها بكل أخوة ومحبة مع باقي أبناء الشعب السوري الشقيق.
إذاً اهمية مخيم اليرموك، تنبُعُ من مكانته وتعبيراته السياسية، ومن موقعه، فكيف نستطيع ان نُقدم تعريفاً للقارئ العربي عن هذا المخيم الفلسطيني الذي يعتبر بكل حق وحقيقة عاصمة الفلسطينيين في الشتات…؟
مخيم اليرموك تابع لمدينة دمشق ويلامسها من جهة الجنوب، ويمثل أكبر تجمع فلسطيني في الشتات على الإطلاق، ويضم بحدود ربع مليون لاجئ فلسطيني من أصول: مدنية، وفلاحية، من مدن وقرى الجليل شمال فلسطين المحتلة عام 1948، من مدن صفد، حيفا، يافا، عكا، الناصرة، اللد، طبريا، القدس، نابلس، غزة، بيسان .. وبنسبة أقل من أصول بدوية أو تنتمي الى منطقة غور فلسطين (غوارنة).
تأسس مخيم اليرموك عام 1954، بمبادرة من شخصيات وطنية سورية، عندما قامت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التي تم تشكيلها عام 1949 لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وبالتعاون مع وكالة الأونروا، بإعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين، بنقلهم من مساجد وجوامع دمشق التي أقاموا فيها لحظة القدوم إلى سوريا عام النكبة، وهي المساجد الموجودة في أحياء الميدان، والشاغور، وباب سريجة، وساروجه والعقيبة، والعمارة، والقيمرية، وقبر عاتكه، وشارع بغداد، وغيرها من أحياء دمشق العريقة ومساجدها القديمة التاريخية.
قام مخيم اليرموك في موقعه الحالي في مكان كان يُعرف بمنطقة “شاغور بساتين”، منطلقاً من الحارة الأولى فيه التي تسمى الآن “حارة الفدائية” باعتبارها الحارة التي انطلقت منها الدفعات الأولى من قوات الفدائيين الفلسطينيين، والحارة الأولى التي سقط منها أكثر من خمسة عشر شهيداً، من أبناء الجليل شمال فلسطين. يحيط بمخيم اليرموك مناطق شعبية سورية مكتظة بالسكان، فمن جهة الشرق حي التضامن، ومن جهة الغرب أحياء القدم والعسالي، ومن الجنوب الحجر الأسود ويلدا. عدد سكان مخيم اليرموك نحو مليون مواطن منهم ربع مليون مواطن فلسطيني والباقي سوريين، أما لب (قلب المخيم) المخيم فأغلبيته فلسطينية. وقد تهجر غالبية سكانه قبل عام ونيف وبقي من سكانه نحو عشرين ألفا تحت الحصار المطبق من كل الجوانب.
يُعتبر المرحوم الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين والديار الشامية هو من أطلق على اليرموك اسمه تيمناً بمعركة اليرموك عندما زار المخيم عام 1955.
من مخيم اليرموك انطلقت اولى الخلايا الفدائية للثورة الفلسطينية المعاصرة، وقدم المخيم القوافل الأولى من شهداء مختلف الفصائل الفلسطينية.
يقدر عدد الشهداء من اليرموك في المقاومة الفلسطينية بنحو سبعة آلاف شهيد في الثورة والمقاومة واعداد مضاعفة من الجرحى والمصابين.
سقط من أبناء اليرموك في الأزمة السورية نحو (800) شهيد من أصل نحو (1800) شهيد فلسطيني حتى شباط/فبراير 2014 بالأزمة السورية.
كما يعتبر مخيم اليرموك معقل ثقافي مهم بدمشق، حيث يوجد فيه عشرات النوادي والمؤسسات ودور النشر والمكتبات والمراكز الثقافية التابعة للحكومة السورية وللهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، وللفصائل الفلسطينية ولوكالة الأونروا، ليضم بين ثناياه العدد الأكبر من مثقفي فلسطين وكتابها، وأُدبائها، وفلاسفتها، ومنظريها، ومناضليها، وكوادرها، وفعالياتها، وحتى أطبائها، ومهندسيها، ومدرسيها، ومشاكسيها جهات خاصة وجهات ذات نشاط اجتماعي.
رمزية مخيم اليرموك، باتت موجودة بشكل مستديم في سردية العمل الكفاحي للمسيرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وللوطنية الفلسطينية. فقد تحوّل هذا المخيم إلى مدينة عامرة بمن فيها، وصورة حية عن فلسطين، فكل من عاش بين أزقته وشوارعه، وكل من سكنه وساكن أهله ولو يوماً واحداً، عشقه، وما انفك عشقه عنه حتى الآن. الخيمة في داخلهم، تلك التي انتصبت في نكبة 1948، ورحلت معهم إلى كل جهات الأرض. أقسمت أن تبقى معهم، تقيهم في كل موسم ريح السموم وفي الوحدة صقيع الغربة. وهم عاهدوها أن تظل فيهم، تظلل أجسادهم، تقي أرواحهم من حر النيران الملتهبة إلى أن يعودوا، وها هو مفتاح البيت معهم مهما ابتعد عنهم البيت. سيظل الجد يحكي للحفيد عن عكا التي لولا صمودها لما جاورت البحر، عن حيفا التي لا تنام إلا على هديره، ويافا التي ظلت عروسه مهما جف وعطش. لن يكف الابن عن الرحيل من غربة إلى غربة وعن سؤال أبيه يا أبي “لماذا تركت الحصان وحيداً؟”
مخيم اليرموك واهله وعموم سكانه دفع الثمن من حساب سوريا ومن حساب فلسطين إن كانت فلسطين لا تزال في حساب أحد!! فهل يتركوا المخيم الآن بعد أن بان لهم بأن اليرموك لن يكون إلا طريق العودة لفلسطين …؟
صحيفة الوطن العمانية
الخميس 20/2/2014