استحقاقات ومشاريع مخيفة مطلوب مواجهتها

بقلم: عباس الجمعة

تتواصل المحاولات والجهود الأمريكية، وهدفها الوصول تنفيذ مشروع كيري وتحقيق اي نجا على المسار التفاوضي ، خلال الفترة الزمنية المحددة أمريكياً بتسعة شهور، ورغم التباينات الفلسطينية - الفلسطينية حولها، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وفصائل العمل الوطني الفلسطيني عموماً، فإنها أظهرت (ارتقاء) في التعاطي الداخلي الحزبي - الشعبي الفلسطيني مع هذه التباينات وكيفية معالجتها (بين رافضين لها، وموافقين عليها، أو مضطرين للموافقة عليها أيضاً)، وهذا بكل تأكيد يعبر عن روح الديمقراطية السائدة بين الفصائل الفلسطينية، على اختلافها وتنوعها، والاحتكام بالمقابل إلى الشارع الفلسطيني وهيئاته وقواه ومؤسساته الوطنية من جهة، وإلى الثوابت الفلسطينية المشروعة وفق قرارات الأمم المتحدة من جهة أخرى.

لم يفاجئنا كيري بالضغوط على القيادة الفلسطينية في لقاءته مع الرئيس محمود عباس في فرنسا، من اجل التوقيع على اتفاق (الإطار) المجحف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والتي يتجاهل مصير المستوطنات ، وتشريعها وضمها لإسرائيل وضم الغور الفلسطيني، وزرع التلال الفلسطينية بالقواعد العسكرية لقوات الاحتلال، وابقاء الأجواء والمياه الفلسطينية في قبضته، وتمزيق أرض الدولة الفلسطينية بالطرق الالتفافية، والمعابر، والانفاق، ونقاط التفتيش الاسرائيلية، وضم القدس بدعوى عدم تقسيمها، وبقاءها موحدة عاصمة لدولة الاحتلال. أما اللاجئون فتُحال قضيتهم إلى البحث تحت سقف اقتراحات كلينتون الهادفة كلها إلى التوطين وإعادة التهجير وشطب حق العودة.

وتزداد الأمور خطورة على الصعيد الفلسطيني، وخاصة امام استحقاقات ومشاريع مخيفة مطلوب مواجهتها،لأنها تمس المسائل الوطنية الجوهرية التي لا يمكن ولا يستطيع أي مسؤول فلسطيني الموافقة عليها، وتؤشر إلى محاولة تسويق أمريكية جديدة على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.

ويؤكد هذا التوجه الأمريكي حجم الاستفادة الإسرائيلية الصافية من تبعات المتغيرات العربية السلبية الجارية منذ ما يسمى (ثورات الربيع العربي) وانتهاء (التوافق) العام العربي الرسمي على الأقل، حول القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للصراع العربي- الإسرائيلي.. كما أنه يترافق مع استمرار الاستيطان وتكثيفه بشكل لم تشهده المناطق المحتلة من قبل، والتي باتت تحمل مصطلحات تضليلية سياسية خادعة عنوانها (عطاءات) حكومية صهيونية، وليست توسيعاً للمستوطنات القائمة، وتلك التي هي قيد البناء أيضاً (لا يمكن عملياً حصرها، إذ إنها قرارات استيطانية شبه يومية، تسبق أو تتزامن أو تعقب زيارات كيري وبشكل شبه يومي تقريباً، حتى تاريخه، في ظل للاسف استمرار حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية وتكريسه، بدلاً من البحث عن حلول وطنية لإنهائه وتوحيد الصف الفلسطيني وطنياً لمواجهة ما يحاك من مؤامرات هدفها تصفية القضية الفلسطينية.

في الوقت الذي أدرجت فيه تطورات المنطقة ومتغيراتها، وفي حدود ليست أقل، الانشغال العالمي بها ونتائجها الآنية والمستقبلية، في أواخر سلم المهمات والنشاطات الدولية حول حل القضية الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من ستة عقود ونيف.

وتتجاهل الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها المستعربون، أن جوهر إشكالية منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها، تتلخص في الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي الصدارة منه القضية المركزية فلسطين..

ومن هنا نحذر من أضاليل مقترحات كيري وخطورتها، وإطالة أمد المباحثات التي لا جدوى منها، وخاصة مشروع اتفاق (الإطار) نفسه، وهذا يتطلب رد وطني فلسطيني يستند في قوته ومشروعيته إلى القرارات الدولية، وإلى التململ الجاري في الأوساط الدولية، وخشية إسرائيل من اتساع المقاطعة الأكاديمية الأوروبية _ الأمريكية للأكاديميات الإسرائيلية، والمقاطعة الأوروبية أيضاً للمنتجات الإسرائيلية (المستوطنات) الذي يحتاج تطويره إلى خطوات فلسطينية (جريئة) ترفض المراوغة الأمريكية من جهة، والمناورات والاستيطان الإسرائيلي من جهة أخرى.

أن المفاوضات الجارية، قامت على حساب الحقوق والمصالح الوطنية المشروعة لشعب فلسطين، ولصالح مصالح العدو الاسرائيلي ومطالبه وشروطه، فلا الاستيطان توقف، ولا تم اعتماد قرارات الشرعية الدولية مرجعية للمفاوضات، بما فيها قرار الأمم المتحدة في 29/11/2012 الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.

لهذا نرى اهمية الوقف الفوري للمفاوضات التي لن تثمر عن اي نتيجة لشعب فلسطين مقابل تلبية مطامع العدو الاسرائيلي واهدافه الكولونيالية الاستعمارية. وكذلك رفض اطار كيري لتمديد المفاوضات فكفى أكثر من عشرين عاماً من مسار عقيم، اضاع فرص كثيرة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ، حتى لا يتم تحويل قضية الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى نزاع حول مساحات من الأرض و تثبيت للاعتراف بالكيان الصهيوني ، وآن الأوان لاعتماد استراتيجية نضالية وكفاحية بديلة تقوم على استنهاض عناصر القوة الفلسطينية وهي كثيرة، في مقدمها تفعيل واستنهاض وتطوير المقاومة الشعبية التي تشهد علامات واضحة في المبادرات الشعبية والفردية في مواجهة الاحتلال والاستيطان في طول الضفة الفلسطينية وعرضها، والتحرر من أسر الانفراد الاميركي بالعملية التفاوضية، والذهاب بديلاً من ذلك نحو تفعيل عضوية فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، والانضمام إلى الوكالات والمؤسسات والاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة، ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة لاهاي ، ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الأمم المتحدة، وتحت سقف قراراتها ذات الصلة ومبادرتها بما في ذلك رفض الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة ، ونزع الشرعية عن الاحتلال واعادة تقديم قضية شعبنا باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب يكافح ضد الاحتلال الكولونيالي الاستعماري الاستيطاني الاسرائيلي ، وضرورة احترام سيادة دولة فلسطين واستقلالها والانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران 67، بما في ذلك القدس عاصمة دولة فلسطين وضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وممتلكاته وفق القرار الاممي 194

امام كل ذلك نرى ان هنالك مفارقة خطيرة تستدعي التوقف عندها،أنه في زمن ما يسمى بالربيع العربي يتزايد النفوذ الأمريكي والغربي والارهاب التكفيري الاجرامي في المنطقة العربية بحيث لم تعد ولو دولة واحدة خارج إطار الاستهداف المباشرة وخاصة ايضا محاولة ادخال العامل الفلسطيني فيها وما جرى في مخيمات سوريا من قبل من يسمون انفسهم بكتائب اسلامية ادت الى ما ادت اليه من تدمير وتهجير ونزوح وقتل لسكان المخيمات ، وما يجري من استغلال لبعض الفلسطينين من الشباب في لبنان من قبل القوى التكفيرية دليل على المخطط الامريكي الصهيوني الهادف الى افتعال الازمات وتهجير سكان المخيمات وصولا الى شطب حق العودة للشعب الفلسطيني ، مما يستدعي تعزيز العلاقات بين المخيمات والجوار اللبناني ومع كافة القوى الوطنية اللبنانية ، والعلاقة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ، وإطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة متكاملة ومترابطة من البرامج والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المجتمع حتى يتحمل الجميع المسؤولية في مواجهة من يسعى لنشر التفرقة الطائفية والمذهبية وتحصين واقع المخيمات في مواجهة الخطر المحدق للحفاظ على حالة الاستقرار التي تعيشها المخيمات ، لان من يقوم باي عمل ارهابي يثبت بدون نقاش وجدال أن لا دين ولاجنسية ولا ملة له.

ان الشعب الفلسطيني الذي آمن بخيار المقاومة والنضال من اجل تحرير ارضه لا يمكن ان تكون بوصلته غير فلسطين ، فهم رسموا الاتجاه والمهمة الباقية ستكون على عاتق القوى الفلسطينية التي يفترض بها الاهتداء إلى أساليب عمل جديدة تناسب الظروف التي تتشكل في إطلاق حركة شعبية قابلة للحياة و التطور داخل فلسطين المحتلة والخارج من اجل مواجهة الضغوط الامريكية والصهيونية وافشال المخططات التي تستهدف حقوق الشعب الفلسطيني.

ختاما : ان اعادة بناء الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية على أسس تم التوافق عليها في أكثر من محطة من محطات الحوار الوطني وبما يخدم مصالح شعب فلسطين وقضيته الوطنية، ومواصلة السير على طريق الكفاح لأجل الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، هذه الحقوق التي قدم الشعب الفلسطيني من اجلها التضحيات العظيمة وفي مقدمتهم الشهداء الذين صنعوا الثورة ومجدها، وصانوا القضية وحقوق شعبها، كما الأسرى في سجون الاحتلال الذين صنعوا من صمودهم خلف القضبان اسطورة سطرها التاريخ بكل فخر واعتزاز .