قدر الإنسان الألماني أن يعيش كل العمر تحت الاحتلال اليهودي، وإذا كان هنالك أمل بأن يتحرر الفلسطينيون من الاحتلال الإسرائيلي، فإن أمل الألمان في التحرر من الاحتلال اليهودي تبدو صفراً، وذلك لأن اليهود الذين يغتصبون أراضي العرب الفلسطينيين، ويشردون أهلها، هم أنفسهم الذين يحتلون ذاكرة ألمانيا، ويغتصبون تاريخها، وهذا هو أقسى أنواع الاحتلال على وجه الأرض، إنه احتلال النفس.
لقد حاولت ألمانيا قبل عام أن تتحرر قليلاً من الهيمنة اليهودية، فتوقف مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن دفع التعويضات الشهرية لما يسمى "المتضررون من المحرقة النازية" واشترطت ألمانيا الدفع بوقف البناء في المستوطنات.
لقد جن جنون اليهود، واتهموا "كريستوف هويسغان" مستشار أنجيلا ميركل للأمن القومي، بأنه يعمل على تحطيم نسيج العلاقة الحساس بين ألمانيا وإسرائيل، وأنه يتعمد منع عقد لقاء ثنائي بين المستشارة الألمانية والسفير الإسرائيلي في ألمانيا "يعقوب هداس"، أو البحث مع المسئولين في ألمانيا قضايا عديدة.
فما الذي تغير في هذه الأيام؟ ماذا جرى وراء الكواليس من تطورات سياسية واقتصادية دفعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى حث جميع وزراء حكومتها لمرافقتها في زيارة إسرائيل، بعد أن ارتدت عن مواقفها السابقة، واتخذت موقفاً أقل تشدد من نظرائها الأوروبيون في ملف الاستيطان اليهودي؟
17 وزيراً ألمانيا في زيارة تاريخية لإسرائيل، سيوثقون العلاقات السياسية، وسيوقعون الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعسكرية التي ستخدم اليهود، وتدعم مساعي وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، في تحديد معالم اتفاق الإطار الذي سيعالج قضايا التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيعمد إلى تمديد عمر المفاوضات لمدة عام على الأقل، مع التأكيد على استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم امتيازات غير مسبوقة لإسرائيل في حال اتخاذها مواقف أكثر مرونة بخصوص اتفاق الإطار.
ميركل لن تزور مدينة رام الله، ولن تلتقي مع أي مسئول فلسطيني، وبهذا تؤكد أن سياسة الدول لا تعرف الأخلاق، وإنما تفهم لغة المصالح، ولا تحترم إلا القوي، ولا تنتصر إلا لمن يتشبث بمواقفه حتى ولو كانت على باطل.
لقد استبق اليهود زيارة أنجيلا ميركل بالإعلان عن وفاة "أليس زومر" المرأة اليهودية الأكبر سناً، والتي نجت من المحرقة النازية، وكأن مبلغ 70 مليار دولار أخذها اليهود من الألمان لا تكفي، ولا تطبب جرح الأكذوبة عن المحرقة، التي انصبت على رأس الشعب الألماني مالاً يصبه رغم انفه في خزائن اليهود.