هنيئاً لعيد الجبهة الديمقراطية الخامس والأربعين

بقلم: سمير أبو مدللة

تحيي جماهير شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حزباً يسارياً ديمقراطياً تسترشد بالاشتراكية العلمية كمنهج لتحليل الواقع الاجتماعي وتغييره تغييراَ ثورياَ وتقوم على المركزية الديمقراطية في تنظيم علاقاتها الداخلية وتوجه علاقاتها مع الجماهير لتشق طريقها نحو اكتساب سمة الحزب الجماهيري بما يعزز وحدة الجبهة الداخلية في الفكر والإرادة والعمل.

انطلقت الجبهة الديمقراطية في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير 1969 بعد مجموعة من الانتكاسات التي شهدتها الحركة التحررية العربية في الدول العربية وفلسطين وأبرزها هزيمة حزيران/ يونيو 1967 مما ولد شعوراً قوياً بضرورة تأسيس حزب يساري يتبنى فكر الطبقة العاملة والكادحين والفلاحين والفقراء والشبيبة والمثقفين ليشق طريقه نحو الالتفاف الجماهيري ليلتحق في صفوفه واستناداَ لمبادئه عشرات الآلاف الفلسطينيين ويناصره الآلاف من المناضلين من الدول العربية ومناصري القضية الفلسطينية.

لقد لعبت الجبهة الديمقراطية دوراً بارزاً في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقتها في الثاني والعشرين من شباط 1969 وخاصة في تعميق المضامين الوطنية والثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلا انها تحركت في أكثر من اتجاه لنصرة قضية شعب فلسطين، فكان لها الدور الأبرز في الجمع بين سياسة السلاح وسلاح السياسة.

اطلقت الجبهة الديمقراطية المبادرات لأجل حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والعربي- الإسرائيلي والتي تمثلت ببرنامج النقاط العشر والذي عرف لاحقاً بالبرنامج المرحلي للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اعتماده في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 وسمي ببرنامج الإجماع الوطني، والذي اكتسبت من خلاله منظمة التحرير أوسع اعتراف عربي توج بتكريسها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، كما كسبت اعترافاً دولياً واسعاً بدعوة رئيس المنظمة ياسر عرفات إلى إلقاء كلمة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن ثم تم الاعتراف بمنظمة التحرير عضواً مراقباً في الأمم المتحدة وتحويل قضية فلسطين من قضية لاجئين إلى قضية تحرر وطني وقضية شعب يكافح من أجل عودة لوطنه وتقرير مصيره وإقامة الدولة المستقلة.

الجبهة الديمقراطية لها دورها الوطني والكفاحي المميز منذ انطلاقتها عام 1969، فهي جمعت بين البندقية والبرنامج السياسي، فقدمت الآلاف من المناضلين شهداء وأسرى وجرحى لأجل انتصار برنامجها السياسي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس العربية مع ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي شردوا منها وفق القرار الأممي 194 .

لا ينكر أحد دور الجبهة الديمقراطية في المزاوجة بين النضال الوطني الاجتماعي والكفاح المسلح، فحملت البندقية في يد وبرنامجها السياسي والنضالي في اليد الأخرى. ففي أقل من عام على طرحها للبرنامج المرحلي سلكت طريقاً مقاوماً في عملية معالوت / ترشيحا في قلب الكيان الإسرائيلي. كما لعبت دوراً اجتماعياً من خلال دعواتها للانخراط الشعبي في النقابات المهنية والذي تبلور دورها الوطني والاجتماعي إبان الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987.

لم تقف الجبهة الديمقراطية عند تلك المرحلة بل سلكت خطاً سياسياً في كافة مراحل النضال، وكانت بندقيتها مصوبة دوماً نحو العدو الإسرائيلي, بل وتعدت ذلك في رأب الصدع الفلسطيني لتخليص شعبنا من ويلات الانقسام الذي صنعته لغة المصالح وتقاسم السلطة والنفوذ بحركتي فتح وحماس في 14 حزيران/ يونيو 2007، والتي كان آخرها مبادرة اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية في منتصف شباط/ فبراير 2014 والتي دعت خلالها الأخ إسماعيل هنية لتقديم استقالته فوراً على أن يليها استقالة حكومة رامي الحمد الله عملاً باتفاق الإجماع الوطني في 4 أيار 2011، وتفاهمات شباط/ فبراير 2013، على أن يبادر الرئيس محمود عباس إلى تشكيل حكومة التوافق الوطني والتي تكون مسؤولة عن حل القضايا العالقة بالانقسام وتداعياته عملاً بالبرامج الوطنية التي وقعت عليها جميع الفصائل بلا استثناء، والاتفاقات الثنائية الموقعة بين فتح وحماس، وكذلك إجراء الانتخابات والتحقق من نزاهتها بإشراف عربي ودولي ومؤسسات المجتمع المدني، ويتم دعوة الإطار القيادي الفلسطيني المؤقت تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاجتماع لوضع الآليات اللازمة لذلك، وتحديد سقف زمني محدد لإجراء الانتخابات بالتوافق عليه. فيما يصدر الرئيس أبو مازن أثر ذلك مرسومين: الأول بتشكيل حكومة التوافق الوطني، والثاني بالدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية بالتمثيل النسبي الكامل، وبالسقف الزمني الذي نتوافق عليه بالإجماع الوطني.

ونحن نعبر إلى العام السادس والأربعين نحتاج إلى تجديد نمط الحياة الداخلية في الحزب في الداخل والشتات بنفس وتيرة التحليل السياسي الجيد والمتوازن للجبهة، وأن نجدد مضامين المركزية الديمقراطية وتنقيتها من الشوائب البيروقراطية وتعميق سماتها الديمقراطية، وممارسة مزيد من الديمقراطية لتجديد الحزب وتحصينه، بعيداَ عن الاستلاب والمركزة واستثناء الغير وحصر الصلاحيات ضمن أضيق الدوائر والحلقات، وبالتالي نحن بحاجة إلى مزيد من الحوار الداخلي الذي ينقل المركز القيادي من موقع ممارسة السلطة الحزبية لهيكلية مركزية إلى موقع الدور القيادي التوحيدي استناداَ إلى رؤية توحد الفكر والإرادة والتنظيم.

نستذكر شهداء الجبهة الديمقراطية والشعب الفلسطيني وخاصة الرفيق عمر القاسم "مانديلا فلسطين" مؤسس الحركة الأسيرة في السجون الاسرائيلية ورفاق دربه خالد النزال وبهيج المجذوب وعبد الكريم حمد ومشهور العاروري وزياد وحربي ولينو وإبراهيم أبو علبة وأبو حطب وأبو جاموس والبيوك، وكافة شهداء شعبنا الفلسطيني. كما نطيّر برقية تهنئة إلى الأسير المحرر سامر العيساوي صاحب أطول إضراب عرفته البشرية جمعاء وتحدى عذابات السجن والسجان وظلامات السجون ليخيّر الاحتلال بين النصر والشهادة فظفر بشهادة العودة إلى مدينة القدس ليعود إليها منتصراً حياً رافعاً رايات صموده وعلم فلسطين. وكذلك ألف تحية إلى الأسير إبراهيم أبو حجلة الذي رفض المساومة بين إنهاء نضاله وحريته.

وختاماً لا ننسى توجيه التحية النضالية لكافة مناضلي ومقاتلي الجبهة الديمقراطية وإلى امينها العام المؤسس نايف حواتمة وعضوية لجنتها المركزية الذين رسموا بنضالاتهم أسمى صور التحدي والنضال الوطني والاجتماعي الفلسطيني نحو فلسطين دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية مع عودة اللاجئين الى ديارهم التي شردوا منها وفق القرار 194 مع تعويضهم عما لحق بهم في لجوئهم وفي عودتهم التي طال انتظارها.

• الباحث والأكاديمي الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.