الأردن يضع القيادة الفلسطينية أمام مسؤولياتها

بقلم: محمد أبو مهادي

في موقف مشرّف قرر "مجلس النواب الأردني" طرد السفير الإسرائيلي من عمّان وإستدعاء السفير الأردني من إسرائيل، إحتجاجاً على قرار إسرائيل الأخير بوضع "الحرم القدسي" تحت السيادة الإسرائيلية، موقف مجلس النواب الأردني تزامن أيضاً مع تصريح لرئيس الحكومة الأردنية يلوح فيه بإمكانية إعادة النظر في إتفاقية السلام ما بين الأردن وإسرائيل، بإعتبار أن القرار الإسرائيلي هو خرق لمعاهدة السلام التي منحت الأردن الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، إضافة إلى تحركات إحتجاجية أخرى ستقوم بها جامعة الدول العربية في المنظمات الدولية.

موقف الأردن الشقيق متقدم ويستحق التقدير والبناء عليه كمقدمة لإستعادة الدور العربي المساند والشريك في القضية الفلسطينية، بعد سنوات من إنكفاء العرب إلى الداخل لمعالجة أزمات ما بعد الربيع العربي، ويعتبر فرصة قوية لإعادة الرشد للقيادة السياسية الفلسطينية التي ذهبت بعيداّ ومنفردة في الرهان على إمكانية الخروج "بصفقة سياسية" تحت الرعاية الأمريكية متجاهلين تجربة أكثر من عشرين عام تفاوضية سراً وعلناً لم تسفر عن نتائج، وتأكد معها الجميع أن أمريكا لا تصلح أن تكون راعية لعملية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأن إسرائيل غير معنية بتسوية سياسية تستند إلى الى قرارات الشرعية الدولية، وتفضي إلى قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وحل قضية للاجئين وفق القرار الدولي 194.

لقد ساهم قرار الرئيس "عباس" الذهاب الى المفاوضات في التغطية على جرائم يومية نفذها الإحتلال الإسرائيلي، وضاعفت خلالها إسرائيل الإستيطان بمعدل 132% خلال العام 2013 حسب معلومات نشرها جهاز الإحصاء الإسرائيلي، وقد تصاعدت وتيرة الإستيطان وعملية التهويد في القدس بعد إن أعلن "أبو مازن" مراراً عن إستمراره في عملية المفاوضات حتى النهاية مهما جرى من وقائع على الأرض، مما فتح المجال واسعاً لإسرائيل لقيامها بكل الخطوات التي تعزز إحتلالها للأرض الفلسطينية وسيطرتها على المقدسات طالما وجدت شريكاً لا يعير إهتماماً لما يجري على الأرض ويتعهد بوقف أي حراك شعبي مقاوم لما يجري طالما بقي في رئاسة السلطة !

وقف المفاوضات والبحث عن طريق آخر وسياسية جديدة ليست في حسابات أبو مازن، حتى الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية وهو أضعف الإيمان لم يعد خياراً فلسطينياً بعد أن أسقطه أبو مازن إستجابة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية "عربون" عودة للمفاوضات وتسهيلاً لمهمة "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي، مع العلم أن أهم جدوى سياسية للإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المراقب في الأمم المتحدة هي إتاحة الفرصة لفلسطين لتكون طرف في المعاهدات الجماعية وإمتلاكها الحق بأن تكون عضو في ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الحق في رفع دعاوى ضد دولة الاحتلال وجرائم الحرب التي ترتكبها كجريمة الإعتداء على المقدسات الإسلامية.

لسنا بحاجة إلى إثبات جديد أن إسرائيل دولة إحتلال تحلم بتلاشي وجود الفلسطينيين في أي مكان على الأرض الفلسطينية، وهي تمارس هذا يومياً وصولاً لتحقيق حلم الصهيونية في "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" الإنحياز الأمريكي بلغ ذروته في تصريحات "مارتن إنديك" للزعماء اليهود الذي تبنى وجهة النظر الإسرائيلية بالكامل مضيفاً عليها جديد تعويض" المهاجرين اليهود"، كذلك في خطة "كيري" وما تسرب عنها لوسائل الإعلام وطلب أبو مازن منه بجعلها قراراً دولياً صادر عن مجلس الأمن الدولي، بل ما نحن بحاجته هو الإعلان الفوري لوقف المفاوضات الجارية والعودة إلى تدويل القضية الفلسطينية وتصليب الوضع الداخلي الفلسطيني من خلال عملية مصالحة شاملة يستعيد الشعب من خلالها قوته ويجدد قيادته ويزيل غبار مرحلة كارثية في تاريخيه، مصالحة حقيقية تسند إلى برنامج سياسي وكفاحي يستفيد من التجربة ويسعى لإستجماع عناصر القوة الفلسطينية وفي المقدمة منها الشراكة العربية والتضامن الدولي.

لا يمكن لشعب مهما كان أن يحقق إنتصار على محتليه وهو منقسم ويعيش مأساة قيادة تعد كشوف أسماء لمعاقبة معارضيها، ولا يمكن لقيادة مهما كانت مبرراتها أن تستمر في مشروع سياسي وهي تفقد مشروعيتها الثورية والأخلاقية والإنتخابية، وتتخلى عن كل حلفائها العرب لقاء وعود أمريكية لم تكتب حتى على ورقة حسب ما أعلن بعض المفاوضين الفلسطينيين.

موقف الأردن هو أول الغيث وليس آخره، ليلتقط جميعنا الفرصة، نحن بحاجة للتفكير أكثر في سبل الإستفادة من الشارع العربي ومواقف الحكومات العربية، هل يمكننا تحويل الربيع العربي لصالح القضية الوطنية الفلسطينية في ظل الإنكشاف الأمريكي والصلف الإسرائيلي، هذه هي مهمة كل الوطنيين الفلسطينيين.