هل يستطيع كيري تجاهل حماس في أي تسوية قادمة؟!

تُحاول الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مقصود تهميش حركة حماس من أي لعبة سياسية قادمة، وتتجاهل حضورها الفاعل وترفض إشراكها في عملية التسوية بسبب عدم اعتراف الحركة بإسرائيل، ولاستمرارها بتبني الخيار العسكري، ولرعايتها للمقاومة الفلسطينية المُسلحة، ولعدم التزام حكومتها بجميع الاتفاقات غير المُنصفة للشعب الفلسطيني، فيحاول كيري الاستفراد بالطرف الفلسطيني الأضعف المتمثل في الرئيس محمود عباس لابتزازه وللضغط عليه لتقديم المزيد من التنازلات.

ترفض السُلطة الفلسطينية من جهتها إشراك حماس في المفاوضات، وذلك لطبيعة العقلية الفتحاوية القائمة على احتكار التمثيل والقرار الفلسطيني، أما الاحتلال الإسرائيلي فيعمل على تقسيم المُقسم، وعزل الضفة عن غزة، والتعامل مع كل كيانٍ على حدة وبأسلوب مختلف، ومن هنا تلتقي إرادات الأطراف المختلفة لتجاهل وجود قطاع غزة وحركة حماس.

حماس الغائب الحاضر في مفاوضات كيري، بصفتها العنصر الأقوى بالمعادلة الفلسطينية، ولامتلاكها الكثير من أوراق الضغط والقوة، كفوزها بالانتخابات الفلسطينية الوحيدة، وشرعيتها المستمدة من جماهيريتها وحضورها ومقاومتها، ولسيطرتها المُحكمة على قطاع غزة، وبنائها المتين للجناح العسكري كتائب القسام، وقدرتها على إشعال مواجهة كبيرة مع الاحتلال في الوقت الذي تريد.

لحماس أيضاً حلفاءٌ وامتدادٌ إقليميٌ مهم وفاعل وقادر على دعمها وحمايتها في مواجهة التحديات، لهذا فالعمل على استثناء حماس من المشهد السياسي لن يخدم الرؤية الأمريكية وسيعرقل خططها التصفوية، والاكتفاء بإشغال الحركة بحصار غزة وإغراقها في تشابكات الواقع المصري لن ينجح بإضعاف سيطرتها وحضورها وتأثيرها على أي اتفاق قادم.

سيناريوهات المفاوضات الجارية معقدة جداً، ووصلت لطريقٍ مسدود، ولا أعتقد أنها ذاهبة لدولة فلسطينية كما يريدها عباس، ففلسطين التاريخية لا تحتمل دولتين مهما حاول كيري التذاكي. فخطة الاحتلال المعلنة تقوم على إحكام السيطرة الإسرائيلية على ما يمكن من أراض الضفة، وتحويل ما تبقى منها لكنتونات متفرقة وإغراق الأردن باللاجئين الفلسطينيين بدلاً عن عودتهم لأراضيهم المحتلة عام 48، وأن تبقى غزة حبيسة التطورات الدراماتيكية المتعلقة بقرارات حماس وقدرة النظام المصري على تغيير الواقع هناك.

الاحتلال الإسرائيلي لن يخاطر بحرب على حركة حماس في الوقت الراهن لأهدافٍ سياسية، إلا إذا أجبرته المقاومة على ذلك بعمليةٍ نوعيةٍ مفاجئة، وأعتقد أن حماس أذكى من التورط بمواجهة مع الاحتلال في هذه الفترة التي يعاني فيها الإقليم العربي من مأزق التشتت والحرب الأهلية.

القضية الفلسطينية تتعرض لعملية تصفية مُركَّزة وممنهجة، ولا أمل اليوم إلا في اتخاذ حركة حماس قرارات صعبة غير تقليدية والتفكير خارج الإطار كما عوّدتنا دائماً للخروج الفلسطيني الآمن من تسونامي الضغوط الأمريكية، وكما وقفت حماس في وجه أوسلو واستطاعت استثمار المشهد فإنها قادرة على أن تعيد الكرَّة من جديد.